كم مرة فكرت بينك وبين نفسك، لماذا ونحن بهذا العمر اليافع، نشعر بالتعب الهائل لدرجة عدم القدرة على العمل المجهد، بينما كان أجدادنا مفعمون بالنشاط والرونق حتى في عمر الثمانين؟

غالباّ ما يكون المطبخ الشرق أوسطي مليئاً بكميات من التوابل الغريبة في بعض الأحيان.

مع اقتراب شهر رمضان، نميل إلى استخدام كميات أكبر من التوابل وهذا بسبب ميولنا إلى تناول الأطعمة العربية التقليدية عند الإفطار، كمحاولة للإحتفاء بالثقافة العربية والإسلامية.

أظهرت بعض الأبحاث أن دمج الأعشاب والتوابل ضمن نظامنا الغذائي اليومي، يمكن أن يكون له فوائد صحية طويلة الأجل مع خصائصها المتعددة مثل كونها مضادة للجراثيم والفيروسات مع مساعدات طبيعية لتحسين ودعم جهاز المناعة.

أشارت تقارير جديدة أن البشرية تحت الحصار، حيث يفارق حوالي 700 ألف شخص حول العالم الحياة سنوياً، نتيجة الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية. وهنالك دراسات أخرى مبنية على نطاق واسع من الأبحاث على مدى السنوات الأخيرة، تبدو أكثر تشاؤمياً وترسم صورةً قاتمةً للمستقبل. فهل يمكن لمقاومة مضادات الميكروبات أن تودي بحياة 10 ملايين نسمة سنوياً بحلول عام 2050؟

ورغم ضرورة إخضاع التقديرات الخاصة بهكذا مواضيع هامة، لفحص مكثّف من قبل خبراء مختصّين، إلّا أن هذه الأرقام تقدم للسكان إيعازاً لا يمكن تجاهله للتعامل مع خطر ازدياد مقاومة المضادات الحيوية بجديّة كبيرة.

الدكتورة لانال دان، مؤسسة عيادة The Chiron Clinic
الدكتورة لانال دان، مؤسسة عيادة The Chiron Clinic

ووفقاً للعلماء، ستمثّل المضادات الحيوية أكبر تحدٍّ صحيٍّ في القرن 21، الأمر الذي يتطلّب تغييراً في السلوك العالمي، من قبل الأفراد والمجتمعات. لذا من المتوقع أن يشكّل ازدياد مقاومة المضادات الحيوية أزمةً صحيّةً على الصعيد العالمي، ولن تقتصر مسؤولية مكافحة هذا الخطر على الأطباء فحسب، بل يقع على المرضى مسؤولية تحديد دورهم وقياس ممارساتهم وسلوكياتهم الصحية.

وأشارت منطمة الصحة العالمية WHO أن ازدياد الكائنات المقاومة للمضادات الحيوية يهدد بالعودة إلى حقبة ما قبل اكتشاف البنسلين في عشرينيات القرن الماضي، حيث يمكن للعدوى البسيطة أن تسبب الموت. وتعتمد العديد من خصائص الطب الحديث، ابتداءً من جراحة الأمعاء وصولاً إلى علاج السرطان وزراعة الأعضاء، على قدرتنا على علاج العدوى، وعندما نفقد تلك القدرة ستنهار كافة الأسس المتعلقة بالطب الحديث. ومن المهم جداً إدراك أهمية مكافحة ظهور المقاومة للمضادات الحيوية كعامل يعزز الحفاظ على الطب الحديث بالكامل.

وخلال السنوات القليلة الماضية عرّفت منظمة الصحة العالمية World Health Organisation المقاومة البكتيرية كأزمة صحية، خاصةً مع عدم فعالية المضادات الحيوية على اثنين من الإجراءات الحاسمة: أولاً، المغالات في التشخيص والتطبيب الذاتي، والذي يؤدي بشكل يدعو للسخرية إلى مساومة الناس على المناعة الطبيعية لأجسادهم أو حتى تدميرها. ثانياً، انخفاض مستويات الوعي بين العامة حول تشخيص المرض والإسراف في تعاطي المضادات الحيوية.

وتقول الطبيبة لانيل: يزورني العديد من المرضى ومعهم قائمةً من الأدوية التي قاموا بشرائها بدون وصفة طبية بغرض علاج حالة واحد، حيث قاموا بتشخيص معظم الحالات بأنفسهم، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج مخيبة وغير فعّالة، وغالباً ما تزيد الأعراض سوءاً. ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال أصبح علاج العديد من الأمراض مثل الإلتهاب الرئوي والسل وتسمم الدم والسيلان والأمراض الناتجة عن التغذية أكثر صعوبةً وأحياناً مستحيلاً، لأن المضادات الحيوية باتت أقل فعّاليةً. فكيف نتجنّب حدوث أزمة صحية عالمية ونخفف من المخاطر الرهيبة التي تشكلها مقاومة المضادات الحيوية؟

علاج الأمراض باستخدام طب الأعشاب
علاج الأمراض باستخدام طب الأعشاب

أولاً: هنالك حاجةٌ لتحسين مستويات تعليم المريض والطبيب، وتطوير سياسات تحدّ من مبيعات الأدوية دون وصفة طبية. وأودّ هنا أن أتقدم بالتحية إلى وزارة الصحة الإماراتية UAE Health Ministry التي أطلقت في أواخر عام 2017 تشريعات صحية جديدة من شأنها أن تضع حداً للممارسات الخطيرة لبيع المضادات الحيوية بدون وصفة طبية والإشراف المكثّف على الصيدليات لمزيد من التنظيم. وفي سياق هام، ازداد مستوى الوعي لدى الأطباء حول وصف المضادات الحيوية بشكل أكثر صرامة. ثانياً: يشكّل الطب النباتي بديلاً مستداماً مع ازدياد المؤشرات والدلائل حول فعّاليته وضرورة دعمه. لقد حان الوقت لنضع الأساطير السحرية جانباً ونلقي نظرةً أعمق حول المكونات الطبيعية المتاحة أمامنا.

ولكي يكتسب فهمنا للأدوية العشبية طابعاً إقليمياً، يمكننا القول إن المنطقة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط لطالما شكّلت المزود الأصلي للأعشاب الطبية. ولا شكّ أننا نستمتع حين نتجول في الأزقة الضيقة للأسواق العربية ضمن منطقة الشرق الأوسط، ونختبر تجربةً حميميةً وسط مشهد حيوي يعبق برائحة التوابل وأكوام الأعشاب النادرة. لقد أدت هذه الوفرة في تواجد الأعشاب الطبية إلى شيوع استعمال العلاج النباتي في المنطقة العربية منذ العهود القديمة للقرن السابع الميلادي. وتوسّعت بعد ذلك على مدى القرون اللاحقة لتشكّل العلاجات الطبية المختلفة التي أشار إليها العديد من الأطباء حول العالم.

وكان المصريون القدماء قد استعانوا بلحاء شجر الصفصاف الأبيض، والذي يحتوي على المادة الفعالة من الأسبرين، لعلاج الآلام والصداع، واستخدموا جذور الهندباء البرية لعلاج الطفيليات. حتى أن الأعشاب والتوابل المنزلية الشائعة أثبتت فعّاليةً تتساوى تقريباً أو تتفوق على الأدوية الموصوفة لأمراض الأيض المزمنة وصحة المناعة.

ومن جهته يبرز الزنجبيل كبديل جيد للمضادات الحيوية، وأظهر قدرات فريدة في تحسين أعراض مرض السكري من خلال ضبط معدلات السكر في الدم وزيادة معدل الاستقلاب. كما يشكّل الثوم خياراً نباتياً يشتهر بخواصه الناجعة في مقاومة الميكروبات والفيروسات.

وتشير مجموعة هامة من الأبحاث إلى قدرة البِربارين، وهو عنصر قلوي نشط مشتق من جذور جولدن سيل (جذور البقون) ونبات البَرْبارِيس وعنب الجبل، على التحكم وخفض معدل السكر بالدم بالنسبة للمرضى البالغين الذين يعانون من داء السكري من النوع 2، وبطريقة أكثر فعّاليةً من عقارات ’ميتفورمين‘ الشهيرة.

ويؤكد تقرير صادر عن (Office of Clinical Pharmacology, Center for Drug Evaluation and Research, US Food and Drug Administration) لعام 2018 إلى ازدياد نسبة مبيعات الأدوية النباتية خلال السنوات الأخيرة والاعتماد عليها بدلاً من الأدوية التقليدية الموصوفة لعلاج الأمراض المزمنة. وقد أظهرت دراسات أخرى أهمية طب الأعشاب كبديل فعّال عن المضادات الحيوية في التعامل مع البكتيريا المقاومة للأدوية، ويمكن أن يشكّل الحلّ المثالي للوباء الصحي الذي يهدد الحياة على نطاق واسع ويلوّح بالموت للملايين البشر في حال لم يتمّ التعامل معه بسلاح المعرفة والعمل الجاد.

رنيم مطر

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار