وقائع الأحداث الامنية
صباح يوم الاثنين في 6 شباط 1984 بدأ القصف من مرابض الجيش اللبناني ينهال على أحياء في بيروت الغربية ترافق مع اشتباكات بين عناصر الجيش اللبناني ومسلحين ينتمون إلى حركة أمل والى أحزاب أخرى.
في الأحياء الغربية من بيروت ساد التوتر في فترتي الصباح وقبل الظهر وسط تردد معلومات عن استعدادات معينة في منطقتي المتحف والسوديكو لادخال قوى مسلحة الى بيروت الغربية ومنطقة الأسواق التجارية في بيروت وساحة رياض الصلح.
أحدثت هذه المعلومات جواً من القلق والتوتر لا سيما في مناطق كورنيش المزرعة، أبو شاكر، البربير، برج أبي حيدر، المصيطبة، وطى المصيطبة، حي اللجا، مار الياس، زقاق البلاط، البطريركية، والخندق الغميق.
وفي التاسعة والنصف صباحاً وقع اشتباك بين عناصر مسلحة وجنود من الجيش اللبناني كانوا يستقلون شاحنة عسكرية في تقاطع كورنيش المزرعة- برج ابي حيدر. ولم يبلغ عن إصابات وجرت اتصالات بين الجهات المعنية لتطويق الحادث ونجحت في سحب المسلحين.
زاد هذا الاشتباك من جو التوتر في المنطقة وفي الحادية عشرة قبل الظهر سجل ظهور مسلح كثيف في منطقة زقاق البلاط وحوض الولاية وعمل المسلحون على اتخاذ مواقع مراقبة على جوانب الطريق.
دارت اشتباكات بين مسلحي حركة أمل والجيش أدت إلى انسحاب اللواء السادس في الجيش من الشوارع وعودته إلى الثكنات رافضاً أوامر القيادة بالاستمرار بالمعارك.
وتجددت الاتصالات بين المفتي قبلان من جهة وبين قائد الجيش العماد إبراهيم طنوس وبري وممثل حركة أمل في اللجنة الأمنية أيوب حميد. بالإضافة إلى اتصالات مماثلة جرت مع قيادة أمل من قبل مدير عام قوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد عثمان عثمان وقائد منطقة بيروت العميد زهير القفير ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العقيد الركن سيمون قسيس.
في الثالثة والنصف بعد الظهر أعلن الجيش عن قرار وقف إطلاق النار في بيان جاء فيه: بناء لطلب الفعاليات السياسية والدينية من مختلف الطوائف وممثل حركة (أمل) قررت قيادة الجيش وقف إطلاق النار اعتباراً من الرابعة بعد الظهر للإفساح في المجال أمام سحب المسلحين من الشوارع وإعادة الوضع إلى طبيعته وستكلف لجنة من الضباط المراقبين السهر على وقف إطلاق النار.
وتم الإتفاق على وقف ثان لإطلاق النار على أن يبدأ تنفيذه ابتداء من الساعة الثامنة مساء. وبالفعل بدأت حدة المعارك تخف ابتداء من الثامنة دون أن يمنع ذلك من تصاعد حدة القصف الذي طال مناطق بيروت بأكملها.
لكن بيروت أصبحت مع انسحاب القوى الأمنية في قبضة حركة أمل برئاسة نبيه بري.
وقائع الأحداث السياسية
واصل الرئيس الجميل استشاراته النيابية بعد قبول استقالة حكومة الرئيس شفيق الوزان.
وشملت الاستشارات عدداً من الكتل النيابية وأكد معظم الذين استشيروا أن القضية أكبر من موضوع تشكيل حكومة، فيما دعا الرئيس أمين الحافظ الحكم إلى إعادة النظر بـ “كل شيء”.
وأوفد الرئيس الجميل الوزير إيلي سالم إلى زغرتا، يرافقه المستشار الرئاسي محمد شقير، حيث أبلغا الرئيس سليمان فرنجية الدعوة إلى استئناف مؤتمر الحوار في جنيف في السابع والعشرين من شباط الحالي، كما تشاوروا معه في المستجدات.
وقالت مصادر سياسية إن رئيس الجمهورية ركز في أحاديثه مع زواره على ضرورة بذل الوساطات مع دمشق من باب الحرص على التفاهم معها والتوصل إلى الحلول المطلوبة للوضع المتدهور.
أضافت هذه المصادر أن الرئيس الجميل أبلغ زواره أن موقفه من اتفاق 17 أيار في الخطاب الذي ألقاه أمس الأول هو نوع من الاستجابة لمطلب المعارضة لأنه يرى أن يتم الاستغناء عن اتفاق 17 أيار بعد أن يلتقي جميع الأطراف المعارضين والحكم يقومون بالاستغناء عنه معاً.
وفيما غاب رئيس الحكومة المستقيل شفيق الوزان عن أي نشاط، أكد الرئيس رشيد كرامي أنه لن يحضر مؤتمر الحوار إلا إذا وثقت بالتوجه الرسمي. وتأكدت من أن هناك التزاما بما سيتفق عليه حتى لا تتكرر سابقة المؤتمر الأول”.
وأدلى رئيس حركة (أمل) نبيه بري بتصريح طالب فيه باستقالة الرئيس أمين الجميل ورأى أن المبادرة التي طرحها إنما تغطية لما جرى في الضاحية.
كما جدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعوته إلى استقالة الرئيس الجميل، ولا يمكن أن نقبل تسوية سياسية معه”.
وقال جنبلاط إنه يؤيد قيام لبنان ديموقراطي عربي وليس لبنان الكتائب.
أضاف: أن دولة لبنان لا يمكن أن تصبح شرعية إلا إذا وضع دستور جديد ونظام تمثيلي جديد للشعب اللبناني. وتابع: أن إلغاء اتفاق 17 أيار أصبح مسألة ثانوية. إذ أن الوضع الدولي الراهن سيلغي هذا الاتفاق بصورة أو بأخرى.
عما إذا كان يؤيد ترشيح العميد ريمون اده لرئاسة الجمهورية قال: ليست مسألة شخص، وإنما مسألة برنامج سياسي، وتغيير الدستور وإيجاد صيغة سياسية جديدة ومناسبة وفقاً للظروف اللبنانية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجديدة.
وأضاف جنبلاط في حديثه إلى راديو فرنسا الدولي (رويتر)، “إننا نعرف جيداً أن الرؤساء الأميركيين يؤيدون شخصاً ثم يتركونه”.
يذكر أن سفراء دول القوات المتعددة بقوا على اتصال دائم مع القيادات المحلية لا سيما مع رئيس حركة “أمل” نبيه بري للتداول في ما هو حاصل على الأرض.
وفهم من مصادر “أمل” بأن هؤلاء السفراء أكدوا على أنهم يقفون على الحياد حيال ما يجري لكن هذا لا يمنعهم من الدفاع عن امن عناصرهم في حال تعرضهم لأي خطر.
ونفت المصادر أن تكون القوات المتعددة شاركت في العمليات العسكرية وأوضحت بأنه وقع حادث بالقرب من مبنى السفارة الأميركية تمت معالجته بسرعة.
وأسباب الحادث تعود إلى تعرض عدد من الجنود الأميركيين المكلفين بحراسة مبنى السفارة إلى إطلاق نار اضطروا للرد على مصادره لكن سرعان ما تم تطويقه.
6 شباط مفصل أساسي في تاريخ لبنان إذ مكن حركة أمل من السيطرة على بيروت وجعلها في موقع القرار، كما مهد لعودة السوريين إلى بيروت بعدما غادرها في العام 1982 وهذه العودة مكنتهم من الاستمرار حتى العام 2005.
وقبلها ونتيجة تمسك الرئيس أمين الجميل باتفاق 17 أيار -ماي رئيس الجمهورية اللبنانية المنتخب بعد مقتل شقيقة رئيس الجمهورية بشير الجميل في العام 1982، وهو اتفاق لم بيصر النور بين حكومة أمين الجميل، وحكومة العدو الإسرائيلي مناحيم بيغن، تأزم الوضع الداخلي اللبناني. كان نبيه بري أصبح زعيماً للشيعة من خلال هذه الانتفاضة مدعومًا من النظام السوريلإلغاء 17 أيار بعدما أعلن الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد أن 17 أيار لن يمر، وسماه “اتفاق الإذعان”؛ وألغي هذا الاتفاق في جلسة لمجلس النواب اللبناني نتيجة ضغوط شعبية في آذار 1984.
بدا أن الاصطدام مع الحكم أمر لا مفر منه وفي ضوء ذلك ونتيجة الاتصالات واللقاءات تحالف رئيس حركة أمل نبيه بري مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي وقوى حزبية أخرى وصعّدوا معارضتهم ضد اتفاق 17 أيار. وفيما كانت حرب الجبل بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في أوجها كانت الاحتكاكات تشتد يوماً بعد يوم بين عناصر حركة أمل والجيش الفئوي كما كانت تطلق عليه قوى الاحزاب الوطنية في أحياء الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت. وهكذا بدأت تتسع رقعة المعارضة ضد حكم الجميل.
قرر أمين الجميل سحق كل من يقف بوجه معاهدة 17 أيار، فأقدمت وحدات من الجيش على تطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية بـعدما حـاول المصلون الاعتصام احتجاجًا على الاتفاق الموقع مع الإسرائيليين فـحصل صدام بين الجيش والمعتصمين أدى إلى استشهاد الشاب محمد نجدة فتوتر الوضـع كثيرًا على الأرض ولاقت الحادثة استنكارًا واسعًا جدًا.
سيطرت حالٌ من الغليان على الشارع وبدأت الاحتكاكات تتصاعد يومًا بعد يـوم بين الأهالي والجيش فبعد أيام من المـواجهة التي حصلت بين الـجيش وأهالي طريق المطار بعد محاولة جرف مساكنهم غـير الشرعية وقعت المواجـهة الثانية الأخطر في منطقة وادي أبو جميل بيـن عـدد من المتظاهرين ومعظمهم مـن مهجري المنطقة وبين قوة من الجيش اللبناني سقط بنتيجتها عدد من القتلى والجرحى وهكذا بدا إن الأمور تتجه نحو الأسوأ بعد أن حمل نبيه بري مسؤولية تلك الأحداث لحكم الرئيس أمين الجميل وبدا إعداد العدة للانتفاضة على الحكم.
في هذا الوقت انفجرت الضاحية غـضباً وثارت بوجه الجيش، وتمكنت حركة أمل من السيطرة على عدد من مواقع الجيش وآلياته وأسلحته بعد سلسلة من المواجهات العنيفة؛ وخلال أقل من ثلاثة أيام كانت الضاحية تحت السيطرة بالكامل ما أثار حفيظة أمين الجمي وجيشه فوجهت فوهات المدافع باتجاه الضاحية وقصفت أحياءها بشكل جنوني. مع اتساع دائرة التأييد الشعبي شعر الجميل بخطر حقيقي بعد فقدانه السيطرة على الضاحية ومناطق الجبل فدعم وحدات الجيش اللبناني في المناطق الغربية من بيروت وفرض حظر التجول ليلاً وكثف الجيش عمليات المداهمة وملاحقة الأشخاص المشتبه بعلاقتهم بالأحزاب، وكان لذلك مفاعيله السلبية عند الناس.
دخل عـناصر تابعة لميليشيا الكتائب والقوات اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار واعتقلت العشرات من العناصر التابعـة للأحـزاب الوطنية ومارست شتى أنـواع الاستفزازات داخل الأحياء السكنية وحول المراكز الحزبية في الشطر الغربي لبيروت كما تعرض منزل رئيس الحركة في بربور للتطويق والدهم من عناصر الجيش.
أخضعت المنطقة الغربية لتدابير عسكرية صارمة ومشددة ولم تفلح كل الدعوات التي وجهت للرئيس الجميل في التخفيف من الإجراءات التي تصاعدت بشكل لا يطاق ولم يعد من خيار سوى المواجهة مهما كلف الأمر.
اندفع شباب الأحزاب إلى الشارع بعضهم يحمل قطعة سلاح وبعضهم الآخر يبحث عن قطعة أخرى لحملها لعدم توفر الـسلاح والذخيرة آنذاك فلجأت إلى تهريب الأسلحة ونقلها إلى بيـروت لمد المقاتلين الذين نجحوا شيئًا فشيئًا في السيطرة على الجيش اللبناني الذي رفضـ الاستسلام كما جرى السيطرة على مبنيي وزارة الإعـلام في الصـنائع حيث الإذاعة الرسمية وتلفزيون لبنان في تلة الخياط واذيع بيان الانتفاضة الشهير الذي شكل منعطفا وحدثا كبيرًا في تاريخ لبنان.
أعطى نداء الانتفاضة مفعوله سريعًا على الأرض فلبت الوحدات العسـكرية التـابعة للواء السادس في الجيش اللبناني النداء والتزمت به وعملت على سحب الجنـود إلى الثكنات وعدم الانجرار في القـتال الداخـلي ورفض الأوامر الصادرة عن القـيادة العسكرية في وزارة الدفاع في اليرزة وهكذا اكمل مقاتلوا الحـركة سـيطرتهم على الأرض وكانت انتفاضة السادس من شباط عـام 1984 التـي هـزت لـبنان كـله.
حققت الانتفاضة أوسع تأييد شعبي فـي الصراع المفتوح ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد أمين الجميل بعد انقسام الجيش.