هذه ليست مجرد قصة وانما معاناة طفلة لن تنتهي بدأت منذ الغزو الصهيوني لعاصمة بلدها، لبنان، عام 1982 حين رأت بأم عينها الجنود الصهاينة داخل دباباتهم يستبيحون ارض وطنها وهم كالجرذان لا يجرؤون على إخراج رؤوسهم رغم كل عتادهم.
وبعدها حين اختبرت معنى الاحتلال السوري الذي تمثل جليًا بممارسات أخواننا العرب السوريين الذين لعبوا دورهم بكل حِرفية لإنهاء دور الحركة الوطنية اللبنانية، والقضاء النهائي على حلم لبنان العلماني الذي كان قيد التحقيق لكن السوري ومن معه انقض عليه فمرض لبنان فتحتّم استئصاله بموافقة عربية دولية.
اقرأ: لبنانيان يتفوقان ويكتشفان ثغرة أمنية خطيرة
فعليًا أولاد جلدتنا لم يقصروا اتجاهنا لعبوا دور الأخوة على اكمل وجه في اعتداءاتهم!
ثم عشت الحرب العراقية الإيرانية وما تبعها من ويلات على العراق وعلى الوطن العربي وبعدها تابعت الحرب التي شنها العالم بقيادة أميركا على العراق بحرقة وخوف على اهلي واهل وطني الثاني ، وتساءلت وقتها كثيرًا أين هؤلاء الذين ينشدون صباحًا وليلًا الويل لأميركا؟
أين الذين بدعون القومية العربية وينادون بالإخوة الإسلامية؟
عجبًا عجبًا كيف تمكنت كل الفرقاء الإسلامية والقومية العربية واليمينة المتطرفة والوسطية من الاتفاق على ممارسة الصمت المطبق تاركين العراق يواجه ابشع مصير.
اقرأ: طوني بلير زعيم دمار العراق يكذب اسرائيل
لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الخروج ولو بمظاهرة استنكار واحدة ضد قتل الأطفال والمدنيين في العراق.
في تلك الأيام كان لا بأس من ركن العقائد والمبادئ مؤقتًا كي تحقق لهم أمريكا ومعها العرب والغرب ما أرادوه. حينها تلاقت الأهداف فلا ضير من التصفيق للشيطان الأكبر والتغاضي عن عهره. ولا ضير من قتل وذبح العراقي!
الطفلة الجريحة داخلي لا تزال تصرخ بحثًا عن إجابات في زمن الضياع والانكسار!
كيف غابت شمس الكرامة عن سمائنا؟
لا تزال تلك الطفلة تعيش معي كظلي، وتأبى تركي وحيدة مع ذكريات الغزو والحروب التي تتمايل كظلال مظلمة في عقلي.
ذكريات تتجدد مع كل حرب لا ترحم، تاركةً وراءها جراحًا لا تلتئم وآلامًا تتجدد مع كل فجر جديد.
نزاعات تستمر وتتقاطع فيها خيوط السياسة والتاريخ والدين والمذاهب والقوميات والجغرافيا والمصالح والموارد، وكلها لم تترك مجالًا لأنفاسنا أن تهدأ أو لقلوبنا أن تتعافي.
اقرأ: نضال الأحمدية: من كتاب مذكراتي
مع كل حرب جديدة تتفتح الجراح القديمة، وتزيد من عمق الأسى والألم علي وعلى أوطاننا العربية.
أراضي أوطاننا لم تجف دموعها بعد، تعود لتبكي من جديد.
الأسر التي فقدت الأمل باستعادة الأمن والاستقرار والعيش الكريم، تجد نفسها مرة أخرى مع كل حرب في مواجهة الخوف والضياع والتشرد.
اليوم، وبعد عقود، أمام مرآة التاريخ أقف واسأل:
أين أخطأنا نحن الشعوب العربية؟
وهل خيانة حكامنا هي من جعلت الأغلبية الساحقة تشعر بالنقص والإهانة بسبب انتمائها للعرب؟
اقرأ: شقيقة نضال الاحمدية تنتقدها وترد على أصالة نصري – فيديو
أم أننا ندفع ثمن ما اقترفه أسلافنا في فتوحاتهم الإسلامية؟
هل هو العار الذي يلاحقنا كعرب؟ واي عار؟
ومن الذين يجنون الثمار من ويلاتنا؟
ومن المستفيد من تجهيل أولادنا؟
وما المقصود من طردنا من أوطاننا وتغيير معالمها؟
ومن المسؤول عن تغيير هوياتنا؟
مع كل حرب جديدة أشعر بوطأة السؤال:
هل فقدنا كرامتنا إلى الأبد؟
في قلبي وأنا من تربيت على المبادئ والقيم والنبض العربي، أرفض فكرة أن عروبتنا ماتت وأن كرامتنا سُلِبت وأن عقولنا تسحرت وأن مقدساتنا دنست وأن عاداتنا وتقاليدنا الجميلة أصبحت عنوانًا للتخلف.
اقرأ: نضال الاحمدية: لا تصلح المقارنة بين ميادة الحناوي واصالة
أما في عقلي وعندما أعود من حالة الفصام التي أعيشها أحيانًا هربًا من واقعنا المزري اعترف:
نعم لقد دفنت عروبتنا منذ عهود وأصبحنا كالحيوانات المفترسة التي تاكل بعضها البعض؟
ورغم كل ذلك أسمح لنفسي ان أعيش حالة الفصام من وقت لآخر كي أتمكن من الاستمرار!
ضياء الأحمدية