كتب القاضي بيتر جرمانوس التالي:
حضرت مع صديقة لي، مقالة ستنشر قريبًا في الغرب عن “الإبادة الإقتصادية” Economical Genocide التي تعرض لها الشعب اللبناني. وقال:
حين عرضنا المقالة، سأل الناشر، ما مفهوم “الإبادة الإقتصادية” هذا غير موجود في القانون ولا في الإقتصاد! ما هي الإبادة الإقتصادية؟
وقال القاضي: سأشرح بشكل سريع وموجز الجرائم التي إقترفتها وزارة الطاقة بحق الشعب اللبناني، مع العلم أن وزارات أُخرى ساهمت بهذه الإبادة، إلا أن دور وزارة الطاقة كان هائلًا وحاسمًا.
وقال: لا يمكن لإقتصاد أن يقوم من دون كهرباء، هذا بشكل عام، ومن دون كهرباء كلفتها معقولة، وهذا بشكل خاص.
فكيف اقترفت وزارة الطاقة جرائمها؟
أولا منعت طرح أي مشروع لإلغاء حصرية مؤسسة كهرباء لبنان بإنتاج وبيع الطاقة الكهربائية، ثم حاولت التضييق على كل الشركات المعطاة إمتيازًا مثل شركة كهرباء نهر إبراهيم، ثم فصلت جباية الفواتير ضمن هيكلية مستقلة، وهذا كان أول باب للسرقة.
إذاً حصرية ومركزية مع جباية فاسدة. ثم القيام بعمليات شراء فيول مشبوهة من خلال شركات متورطة بتمويل الطبقة السياسية الحاكمة.
فيبدو أن حكام لبنان يعيشون بشكل رئيسي على الشيكات والحقائب التي توزعها هذه الشركات والتي تجني أموالاً كبيرة من خلال عدد من الأمور مثل غرامات التأخير، العمولات، اللعب بالكمية، اللعب بالمواصفات وغيرها من أمور المهنة المخفية.
ثم أتت البواخر، بواخر لم يتجرأ رفيق الحريري على إستئجارها، وهنا بدأت السرقة تكبر، والعمولات تكبر، والبنك المركزي يدفع من أموال المودعين لتمويل كلفة إستئجار هذه البواخر، وإستمر التلاعب بالفيول.
إلا ان كان هناك باب رزق آخر، وهو المازوت.
التقنين في الكهرباء، خلق أغنياء جددًا، في حين كانت وزارة الطاقة تضيق على المؤسسات التي لها إمتيازات لإنتاج الكهرباء، كانت تفتح الباب واسعًا أمام تجار المازوت الذين أصبحوا من كبار أثرياء البلد.
وتحت تجار المازوت “السوبر أثرياء”، سيطر “زعران الأحياء” على تجارة مولدات المازوت.
ففي كل حي من لبنان، مولد أو أكثر، يعمل على المازوت، يبث الإنبعاثات المسرطنة في الجو، ويتقاضى المال من سكان الحي.
كل هذا يتم نقدًا ومن خارج الإقتصاد ومن دون دفع ضرائب.
نحن نتكلم عن مئات ملايين الدولارات. فكما تحول تجار المازوت الى أثرياء كبار، تحول “زعران الأحياء” الى طبقة متوسطة جديدة، يعادل مدخولها مدخول الطبيب والمهندس الناجح.
طبعًا تجار المازوت مرتبطون بالأحزاب الحاكمة كما الزعران في الشارع.
فكل حزب بحاجة إلى زعران. كل هذا يتم، ووزارة المال تبصم، ورئاسة الحكومة تبصم، ورئاسة الجمهورية تبصم.
ثم أتت سرقة العصر. هنا إنتقلت “المافيوقراطية” من سرقة مئات الملايين، الى سرقة المليارات.
نعم إنها فترة الدعم المشهورة. شركات تدفع ثمن الفيول والمازوت على دولار وهمي، وتهربه إلى سوريا مقابل دولار حقيقي.
هذه العملية بالذات أفلست البنك المركزي، ولو أنها لم تحصل، لكان يوجد اليوم في المركزي خمسين مليار دولار أميركي.
يضاف إلى ذلك موضوع السدود الوهمية، والقروض الدولية التي تم نهبها، أيضا بضعة مئات من الملايين.
موضوع وزارة الطاقة بالتحديد، مسؤول عن خسائر مباشرة تفوق قيمتها ٨٠ مليار دولار، وخسائر غير مباشرة تعادل قيمتها ٨٠ مليار دولار، نتكلم عن ربح فائت، عن إنهيار الصناعة بسبب الكهرباء، عن أمراض السرطان بسبب المولدات، عن إقفال مؤسسات. نتكلم عن إبادة إقتصادية حقيقية قد تفوق خسائرها الخسائر التي تسجلها حرب حقيقية.