في جلسة ودية بيني وبين ثلاثة من أصدقائي مهندس الديكور ورجل الأعمال والمحامي تتراوح أعمارهم بين الخمس والثلاثين والأربعين، وكلنا تحت خانة “الأعزب” عازبان بما فيهم أنا، طرحت هذا السؤال هل نحن عزب بإرادتنا أم مجبرين؟
وجه لي صديقي المهندس الكلام وهو يبتسم أريد منك تحليلًا نفسيًا للعزوبية وتحليلًا نظريًا وشخصيًا بناء على خبرتك كعازب، قلت له دعني أعكس الآية و أقوم بعمل جلسة علاج Group Therapy حول سبب عزوبية كل واحد فينا.
وافق المهندس ورجل الأعمال وتحمسا بشدة ولكن المحامي لم يكن متحمسًا. وقال لي أنه مصمم أن أشرح له دوافع العزوبية
أكدت له أني سأجيب عن كل أسئلته خلال الجلسة، وشرحت لهم قواعد جلسات العلاج الجمعي وأن تكون الجلسة من نوعية السيكودراما ويقوم المحامي بتمثيل دور أب ينتقد أولادها الثلاثة الذين اقتربوا من الأربعين ولم يتزوجوا.
بدأ المحامي بلعب دور الأب وبدأ بتوجيه النقد لإبنه الكبير مهندس ديكور وسأله بغضب شديد كيف تقوم بتنفيذ ديكورات مئات الشقق والفيلات والقصور للمتزوجين ولم يشجعك هذا على الإقبال على الزواج أو التفكير فيه.
أجابه المهندس بحزنعندما بدأت في عملي كمهندس ديكور كنت أشاهد الكثير من الخلافات بين أهل العريس وأهل العروس. كنت أعتقد في البداية أنها حالات فردية ولكن استمر هذا الوضع حتى الآن حتى أصبح هذا الوضع يجعلني زهدًا في فكرة الزواج وأصبح الزواج بالنسبة صراع ومناوشة على شقة وأثاث. فاخترت الوحدة واشتريت فيلا وفرشها وأمكث فيها الآن، والآن فكرة الزواج تلوّح لأن الوحدة أصبحت صعبة.
انتقل المحامي إلي رجل الأعمال وبدأ بتوبيخه ما الذي يمنعك من الزواج ولماذا تتهرب من أي موعد لمقابلة عروسة.
أجابه رجال الأعمال: (الآن و الصيدلي السابق بعد تخرجي من كلية الصيدلية وأنا في الثالثة والعشرين كنت مقررًا أن أقدم في شركة دواء كبري ولكن حلمي لم يتحقق والفتاة التي كنت خطبتها بعد تخرجي قررت فسخ الخطوبة، لأنه لم يتم قبولي في الشركة وأن مستقبلي ليس مضمونًا فقررت تغيير إتجاهي وبدأت في العمل في مجال العقارات وأكرمني الله فيه واستطاعت التفوق فيه وتحولت من سمسار إلى صاحب شركة في مجال المقاولات وبيع وشراء العقارات وشركة مواد غذائية واستيراد أدوية بيطرية بجانب أني فتحت صيدلية كل هذه النشاطات جعلتني منشغل عن الزواج وبعد وصولي إلة الواحد و الثلاثين من عمري قررت الارتباط و لكن حدثت ثورة ٢٥ يناير و حدثت لي بعدها انتكاسة مالية كبرى أدت إلى إصابتي بأزمة نفسية حادة لمدة ثلاثة أعوام حتى استطاعت التغلب علي هذه الأزمة واستردت عافيتي وعاد وضعي المادي بصورة أفضل وأفكر الآن في الزواج ولكن الاختيارات أصبحت محدودة بسبب بلوغي الأربعين وبعض الفتيات في منتصف العشرينات يرفضوني نظرا للفارق العمري بيني و بينهم)
أتي الدور علي وسألني المحامي بلهجة حادة وتقمص دور الأب بشدة لدرجة جعلتني أشعر كاني أري أبي رحمة الله عليه أمامي. كيف للطبيب النفسي الذي يتم استشارته في المشاكل والعلاقات الزوجية والذي يظهر في الشاشات والصحف يتكلم عن الارتباط والحب وهو حتى الآن لم يرتبط رغم تخطيه الخمسة و الثلاثين و اقترابه من الاربعين)
قلت له سأجيبك بصراحة كما عاهدتك
كنت في مرحلة تكوين نفسي وكنت أريد أن أكون نفسي بعيدًا عن أسرتي و لا أريد أن أثقلهم ماديا بطلبات وأعباء زواج طبيب شاب وأنت تعلم وضع الطبيب المصري الشاب حديث التخرج وأن الطبيب المصري لا يستطيع أن يحقق دخل يرضي طموحاته إلا عندما يكون اقترب من الأربعين وحصل على العديد من الشهادات مثل الماجستير والدكتوراه أو الزمالة والبورد وتحتاج هذه الشهادات إلى ادخار أموال ليست قليلة من أجل الحصول عليها بجانب الوقت والمجهود والتفرغ .لو كنت اخترت الطريق السهل كنت سأتزوج بمساعدة أهلي وكنت سأضطر أن أحصل على مساعدات مالية منهم لكي أكفي بيتي وهذا ما يفعله كثير من زملائي ولكني لا أرضه عن نفسي ولكني الآن أفكر في الزواج)
عندما أتي الدور على المحامي قمنا باستبدال الأدوار ولعبت دور الأب وهو الإبن
العزوبية تبدأ في بعض الأحيان بالاختيار ثم تتحول إلى إجبار وضمن الظروف التي تجبرك على العزوبية منها الظروف المادية والمغالاة في تكاليف الزواج وارتفاع معدلات الطلاق وظروف ٢٥ يناير التي أحدثت تغييرات كبيرة في المجتمع.. بالتأكيد الأربعة نماذج وأنا منهم ليسوا مقياسًا وقصصنا تتشابه مع الكثير.