الصورة أدناه تظهر بها شحرورةُ الوادي، تقرأ جريدةً سياسيّة، تحت عنوان (الرأي العام) والتي تُصدر في الكويت.
اللقطة تبرز مدى اهتمام الصبوحة بالمتابعة السياسية وهي كانت مثقفة سياسيًا لكنها كانت ترفض الإدلاء بأي رأي إلا همسًا.
كانت مطلعة على أهم الملفات السياسيّة في لبنان وخارجه.
رغم ذلك لم تتطرّف الصبوحة بمواقفها السياسيّة، فرحلت دون أنّ نعلم مثلًا أي سياسي تفضّل أو أي برنامج حزبيّ مالتْ إليه أكثر، رغم ثقافتها الواسعة، فهل يعني هذا معارضتها للطغمة الفاسدة الحاكمة بكلّ قياداتها قبل الجميع وثورة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩؟
فكرتُ وأنا أتأمّل صورة الصبوحة المُشرقة: ماذا لو كانت شحرورتنا لا تزال على قيد الحياة؟ تتابع أخبار اللبنانيين المذلّولين أمام طوابير المحطات؟ المحرومين من لقمة العيش؟ غير القادرين على تأمين احتياجاتهم الدنيا، لفقدانهم القدرة الفرديّة الشرائية؟
ماذا لو عاصرتْ تفجير بيروت المروّع الذي حدث في 4 آب عام 2020 وأدى لسقوط مئات الشهداء والجرحى؟
ماذا لو سمعتْ عن تفجيرِ عكار الذي أسقطَ أيضًا عشرات الضحايا منذ أسبوعيْن؟
هل كانتْ لتحتمل ما يحدثُ في وطنِها الذي غنّته بمواويلها ونادته تتغزّل به من أعلى الجبال والقلاع؟
ماذا عن انقطاع المازوت؟ البنزين؟ الكهرباء؟ الخبز؟ الانترنت؟
أتخيّلها معنا الآن، وأحاول رسم ردة فعلها بناءً على شخصيتها المسالمة الهادئة التي لم تهوَ يومًا منطق الهجوم والاعتداء، بل حتّى قلّما دافعت عن نفسها بوجه الآخرين المعتدين وسامحتهم وغفرت لهم مرارًا وتكرارًا.
لكنّنا الآن نواجه أبالسة الكون، وأخبث الأعداء يا شحرورة.. كيف كنتِ ستتصدّين لهم يا رمزنا الوطنيّ؟
هل كنّا لنراكِ في الساحات معنا تهتفين لإسقاطهم بل إعدامهم؟
أو تستخدمين المنابر كيفما استطعتِ لتحرّضي الشعب على الانتفاض ضد حكامه الفاجرين؟
هل تزورين الناس في منازلهم لتتضامني معهم؟
أو تكتبين مثلما فعلت ابنة الأيقونة فيروز ريما الرحباني أمس، فتهاجمين كلّ من يصرّ على إذلال اللبنانيين وانتهاك حقهم الأدنى في العيش الكريم؟
إقرأ: ابنة فيروز للبطريرك: بيع تاج الذهب عن راسك وطعمي الفقرا!
موقفُ صغير أذكره لكم، روته صباح بنفسها، بلقاءٍ لها مع الإعلامية المصرية صفاء أبو السعود، عن عدم قبولها إلقاء التحية على رئيس الجمهورية آنذاك عندما حضر حفلها في بعلبك، بعدما طالبت لقاءه في القصر الجمهوري ولم يرد عليها.
إقرأ: صباح بفيديو نادر: (رفضت مصافحة رئيس الجمهورية والسجن في بلد آخر) – فيديو
آنذاك قالتْ: (نحن في لبنان أحرار عكس العديد من الشعوب العربية الأخرى، نقول ما نريده دون خوفٍ من إمكان اعتقالنا)، لكنّهم بدأوا يعتقلوننا يا صبوحة أمام منازل الفاجرين عندما نطالب حقوقنا!
تابعتْ صباح: (هو رئيس باقٍ لست سنوات فقط، أما أنا ففنانة عمري أكثر من خمسين عامًا ولا أقبل الإهانة)، بل أنتِ أكبر بكثير في عيوننا أيتها العظيمة!
إذًا صباح تتمرّد عندما تشعر بكرامتها تُنتهك، فكيف كرامة شعبها الأبيّ الذي تعشق؟
الشعب الذي يفتح أبوابه على الميليْن كما وصفته بأغنيتها الشهيرة: (مرحبتين مرحبتين)!
كيف تقبله يُذلّ على أرضِه ومن عقر داره أمام كلّ سكان الأرض!
صباح لو حيّة لانتفضتْ أولًا لا محال.
لرأينا وجهها الآخر.
لن تدير خدها مُطلقًا، ليصفعه حكام من الجرذان!
لن تتخاذل!
ليست صباح من تفعلها!
لكنّ ومع مرارة ما سأقوله، نفضّلها بعيدةً مرتاحةَ البال سعيدةً، وأنّ نشتاق إليها ونتخيّلها معنا، على أن تعيش الذلّ الذي نختبره الآن بكلّ ما يتضمنّ من ألمٍ وحسرةٍ ومعاناة!
عبدالله بعلبكي – بيروت