كنيسة (آيا صوفيا) التاريخية، التي ينوي الرئيس التركي أردوغان تحويلها إلى مسجد بعد مرور 677 عاماً على احتلالها، هنا تاريخها المؤلم.
استمرت كنيسة آيا صوفيا بخدمة المسيح والروح القدس، لأكثر من ألف عام، شهد فيها جرن العماد على بركة آلاف الأطفال وجدرانها سمعت طلبات الفقراء والمرضى والمحتاجين.
في يوم أسود من العام 1453، وصلت طلائع جنود السلطان التركي محمد الثاني، إلى المدينة، عاقدًا النية على احتلالها، بعدما فشل أجدادُه بتلك المهمة لمئات الأعوام وقبله الخليفة الأموي معاوية في القرن السابع وبقيت عصية.
وعد السلطان جنوده أن تكون المدينة وإن دخلوها ملكهم لثلاثة أيام، وان نساءها بكافة أعمارهم في الداخل هدية لهم كجواري لتشجيعهم على القتال.
حاصروا المدينة المنهكة لمدة 52 يوماً، ودخلوها في ٢٩ ماي- أيار، بعد اختراق جدرانها، وبدأت مذبحة كبرى وعملية اغتصاب هي الاكبر في التاريخ.
قُطعت رؤوس عشرات آلاف الرجال البالغين أمام نسائهم لحظات بعد أن شهدوا اغتصاب بناتِهم، واستمر سماع صراخ الفتيات طوال الليل المليء بالحرائق، ورائحة الموت والدماء، حيث تناوب الجنود على انتزاع الفتيات الصغيرات من أيدي رفاقهم واغتصابهم مع أمهاتهم.. هذا ما تعلموه من قرآنهم..
أما الكنيسة التي اختبأ فيها وفي ساحاتها وأقبيتها أكثر من خمسة آلاف مصلٍ خوفًا، اقتحمها جنود السلطان، وكتيبته الخاصة، وتوجهوا فورًا إلى المذبح، أُخذ البطريرك جانبًا مع كبار الأساقفة والكهنة وقُطعت رؤوسهم في الداخل.
اما الرجال فسيقوا إلى الخارج، وقُتلوا واحدًا تلو الآخر أمام عائلاتهم.
أما الأطفال الذكور فكبلوا أرجلهم بالسلاسل تمهيدًا لبيعهم كعبيد لتبدأ لاحقا حفلة اغتصاب جديدة للنساء، والفتيات، انتهت بتكبيلهم تمهيدًا لاهدائهم للقصور ولبيعهم عبدات في الأسواق البعيدة.
يومها خرقت أصوات العويل قناة البوسفور إلى الجهة الأخرى.
أطفالٌ جرى فصلهم عن والداتهم، وجُروا بعيدًا والحديد في أعناقهم.
كسروا أبواب الكنيسة البرونزية وأُخرجت دخائر القديسين وأُحرقت خارجًا مع الأيقونات النادرة، ونُهب ذهب الأيكونستاس الكبير.
لم تنتهِ المذبحة إلا بوصول السلطان إلى الساحة، حيث عاين المبنى الذي راقبه مع أبيه من بعيد لسنوات طامعًا فيه.
أعلن فورًا نيته بتحويله إلى مسجدٍ عاقدًا العزم على الصلاة فيه بعد أسابيع، فتسلق أمامه رجالُهٌ، واعتلوا القبة الكبرى، أنزلوا الصليب المثلث وسط تكبيرات الجنود، وتلى الإمام الشهادتين بصوت عالٍ معلنا تحويل آيا صوفيا إى مسجد.
جرى غسل الدماء عن رخام أرضية الكنيسة الأبيض، وبدأت عملية طمس الفسيفساء من جدران الكنيسة، حيث أُخفيت السيدة العذراء من فوق المذبح وأيقونة المسيح الذهبية من أعلى مدخل الكنيسة وطُليت الجدران بالكلس لإخفاء المعالم المسيحية.
في 1 حزيران – يونيو، وصل السلطان إلى الكنيسة ودخلها مع قادتهِ، وصلى فيها صلاة الجمعة، بحضور شيخ الإسلام لتنتهي حقبة مجيدة من تاريخ تلك الكنيسة الرائعة.
حاول الكثير من السلاطين تقليدها، فاستقدموا بعد سنوات مهندساً من أصول أرمنية رومية، اعتنق الإسلام لإنقاد أهله وبلدته، اسمه سنان، إنما بقي كل ما بناه تقليداً باهتًا أمام شموخ كنيسة بُنيت قبل ألف عام.
ولليوم تبقى كنيسة آيا صوفيا المعلم الأهم في المدينة، وقبلة السياح، يزورها أكثر من ثلاثة ملايين زائر، وكثيرًا ما تلمح أحد السياح منتحيا في سره جانبًا ناظرًا إلى الأعلى مبتهلا للعذراء مريم، والتي تشمخ فوق المذبح المسلوب، مناجيًا ومصليُا لها.