نقلًا عما كتب سامي كليب عن كتاب السفير الفرنسي السابق ميشال ريمبو.
أُصدر كتاب السفير الفرنسي السابق ميشال ريمبو الذي يشرح الغاية من تدمير سوريا، التي واجهت مؤامرة كبرى من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإسرائيل.
صدوره الآن يرافق مناخ القلق من ارتداد الارهاب الى اوروبا، وبظل بداية الانعطافة الاطلسية صوب التعاون مع الرئيس السوري بشار_الاسد، ما يسمح للقارئء الفرنسي أن يعرف حقيقة ما حصل في سورية وفق نظرة دبلوماسي عريق يشرِّح الاهداف الاميركية والاسرائيلية والخليجية والتركية، ولكن أيضًا الاسباب النفطية الكامنة وراء الرغبة في تدمير سورية.
عنوان الكتاب الذي صدر قبل يومين :(Moyen-orient Tempête sur le grand) (عاصفة على الشرق الاوسط الكبير)، وفيه تشريح للصراع الدولي بين محورين وللأحلام الاستعمارية وغيرها ناهيك عن حاجة اسرائيل الى تدمير سورية، ويخصص قسمًا مهمًا للازمة السورية والصراع فيها وعليها، مُقدِّما معلومات دقيقة وخطيرة عن بعض رموز المعارضة وارتباطها بالاستخبارات الاميركية وبكيفية صناعتها من الغرب، كما يشرح أسباب السعي الدولي والخليجي والتركي والاسرائيلي للقضاء على آخر دول المواجهة العربية.
اليكم مثلًا هذه القصة (ص 397): في كانون الثاني/ يناير 2014 روى وزير الدفاع الايطالي السابق السناتور ماريو مورو انه كان يزور كردستان العراقية عام 2009، فزار ورشة بناء، وسأل عن الغاية من تشييد كل هذه المباني، فكان الجواب: (انها للاجئي الحرب في سورية)! اي ان ذلك حصل قبل اقل من عامين على بداية الحرب السورية، بمعنى آخر التخطيط للحرب بدأ قبل كل ما وصف بالربيع العربي.
ثمّة الأخطر: الثورة السورية خُطِّطت بمساعدة Syria Democracy Program (برنامج سورية للديمقراطية) الذي تموله احدى المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالاستخبارات الاميركية سي آي اي..
السفير والكاتب الفرنسي ريمبو يعرض في كتابه اسماء مسؤولين او ناطقين رسميين في المعارضة السورية مرتبطين بالمخابرات او الاجهزة او المؤسسات الغربية، ويشرح كيف أُنشأ الائتلاف المعارض بمبادرة قطرية ورعاية فرنسية وتركية، بينما هُمشت المعارضة النخبوية والعلمانية والديمقراطية.
لا يستني الكاتب أحدًا من الفصائل المسلحة فجميعها تدور في فلك التطرف الاسلامي، وبينها الجيش الحر الذي ومنذ المواجهات الاولى، تشكَّل من ناشطين متطرفين تابعين للاخوان المسلمين وسرعان ما صار تحت الوصاية الاميركية والتركية وخضع لاملاءات الشيخ عدنان العرعور الداعية المتطرف والمهووس بفكرة قتل بشار_الاسد.
في الكتاب صورة الرئيس بشار الاسد، وهذه بحد ذاتها جرأة كبيرة من سفير فرنسي سابق وسط مناخ سياسي واعلامي رافض اي كلمة ايجابية عن الرئيس السوري.
يقول الكاتب عن الاسد: (إنه اصلاحي صادق، ورجل علماني عرف كيف يطعِّم القومية القومية العربية بمكتسبات التربية الغربية، وهو منفتح على الحداثة، وفور وصوله الى السلطة قدَّم اكثر من 150 مرسومًا لتحرير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما انه ومنذ بداية الازمة قام بالعديد من خطوات العفو لصالح الذين لا دماء على اياديهم، وحين كان للتوصيف مكان كان يمكن القول انه رئيس دولة تقدمي مختلف تمامًا عن الحكومات الظلامية التي سعت للاطاحة به).
يتابع: (ان صور الجزَّار التي لا تتوافق مع هذه الشخصية، اختُرعت من وكالات اتصال دفعت لها اموال من قبل دول البترو دولار).
يعود الكاتب الفرنسي الى استطلاع للرأي اجرته الاستخبارات الاميركية سي آي اي، يروي ان الرئيس السوري لا يزال يتمتع بشعبية تتراوح بين 60 و 80 بالمئة.
كما يفند كل الاكاذيب الغربية والعربية التي تقول انه نظام علوي ويشرح ان 80 بالمئة من اعضاء الحكومة والبرلمان من السنة اضافة الى ادارات الدولة ومؤسساتها والطبقة البرجوازية فيها.
خلافًا للمنطق القائل ان المعارضة كانت سلمية النظام الذي دفعها للسلاح، فإن الكاتب يعود الى 6 حزيران/ يونيو تاريخ مجزرة جسر الشغور التي قتل فيها اكثر من 120 جنديًا وضابطًا بدم بارد، ليشرح ان عناصر الامن والجيش كانوا عرضة لكمائن منذ الاشهر الاولى للانتفاضة.
اذ يسخِّف السفير الفرنسي السابق المعارضات التي اخترعها الغرب والخليج وتركيا، ويعد معظمها انتهى ومات، ويتحدث عن صلابة المحور الذي يجمع النظام السوري مع حزب الله وبغداد وطهران وموسكو وبكين، كما يشن حملة شعواء على التحالف الدولي من اصدقاء سورية الذي يضم (في سلة العقارب نفسها كل الدول المعادية للقضايا العربية والاسلامية)، كما وصف.
كما أعاد نشر وثيقة سرية ومهمة حول مستقبل سورية “لو نجح التحالف الاسلامي الامبريالي” وفي مقدم ما تحمله: (التخلي عن هضبة الجولان ولواء اسكندرون وتسليم كل اعضاء حزب العمال الكردستاني والغاء كل الاتفاقيات مع الصين وروسيا وتمرير المياه من سد اتاتورك الى اسرائيل وتجميد العلاقات مع طهران وبكين وموسكو وقطعها مع حزب الله واقامة نظام اسلامي لا سلفي).
(وماذا عن النفط؟)، يجيب السفير الفرنسي السابق ريمبو: (خلال البحث في ملف النفط، اكتشف جيوستراتيجيونا فجأة الموقع –المفتاح لسورية، لتمرير النفط والغاز من الخليج وايران وقطر والشركات الاميركية والروسية الى اوروبا يجب المرور حكما بالاراضي السورية… واكتشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط المرتبط باللوبي اليهود الاكثر تأثيرا في اميركا (ايباك) ان الاراضي السورية تضم احتياطات نفطية هائلة وكذلك دول الجوار حيث بدأت اسرائيل منذ عام 2009 باستخراج الغاز.. وبدأت رحى الحرب تدور لاجل ذلك، كما ان قطر بحاجة لضمان تصدير غازها الى اوروبا لمواجهة المنافسة الروسية والايرانية وحاولت بالتالي الحصول بالقول على طريق لانبوب الغاز عبر سورية).
لا شك ان الكتاب جريء وفيه تحليل مهم يتخطى المعلومات، ويظهر احد ابرز اسباب الحرب في سورية، اي صراع المصالح الكبرى والقوى الدولية، فلولا سورية لما تفاقمت ازمة اوكرانيا، ولولا صمود سورية لما استطاع فلاديمير بوتين ان يكون لاعبًا دوليًا بهذه الاهمية، ما نفهمه من الكتاب.
صاحب مجلة (Afrique-Asie) افريقيا آسيا أهدى الكتاب للإعلامي اللبناني الكبير سامي كليب، ليلة نزوله الى المكتبات، والذي يعرض ابرز اجزائه في العدد الشهري لمجلته الذي يصدر اول نيسان/ ابريل وفيه غلاف هام حول اسباب خطأ الغرب في سورية.