كتب الناشط Sobalaan على منصة اكس والمعروفة سابقًا بالتويتر، التالي:
رسالة “حي بن يقظان”، يشرح ابن سينا نظرية الفيض والعقول العشرة عبر شخصية الشيخ حي بن يقظان. “حي بن يقظان” هو الطفل الذي يصل إلى مسالك الحكمة بنفسه أثناء عيشه في جزيرة مهجورة، والتي يُعتقد أنها أسطورة تعود لأصول يونانية، وهذا قبل أن يكتب ابن سينا هذه الرسالة ويقوم ابن طفيل بتأليف رواية كاملة عن “حي بن يقظان”.
في هذه الرسالة، يتناول ابن سينا المرحلة النهائية من الرحلة الروحية لحي بن يقظان، والذي يشير اسمه إلى امتياز الإنسان على الحيوان، حيث إنه حي ومستيقظ على نفسه بعكس الحيوانات.
يبدأ ابن سينا من البرزخ وحدود البشر، المادة والصورة، والتي يجب أن يتجرد منها المريد ليصل إلى المراد. يتحدث عن الأفلاك ويشرحها على أنها أقاليم ذات مدن وشعوب مختلفة. في وصفه، يعتبر زحل إقليم الشر والمريخ إقليم المصائب.
من الجدير بالذكر أن هذا يشابه الرسالة السادسة عشر لإخوان الصفا وخلان الوفا الإسماعيلين، حيث يُصور الكون، بمجموع أفلاكه، على أنه مثل الإنسان الكلي، وهو آدم كادمون في اليهودية الباطنية. وبما أن الإنسان الفعلي على صورة الله أيضًا المتجسدة في الإنسان الكلي، يكون الارتقاء في الذات مرتبطًا بخصائص الأفلاك. بمعنى آخر، اتخاذ الطريق الوسط بين تأثيرات الأفلاك يعني تهذيب النفس والوسطية في التذبذب والتعلق والانحصار والتوسع والعاطفة والشدة إلخ. وتأثر ابن سينا في إخوان الصفا يلاحظ أيضا من تبنيه فكرة أن الملائكة هم الأفلاك.
يصل ابن سينا إلى الفلك الأعلى، والذي يسميه الملك. وهو درجة أدنى من الله تعالى وفي مقام العقل الأول. إلا أن بعض الكتاب مثل يوسف زيدان، أخطأوا واعتبروه العقل الفعال، رغم أن العقل الفعال هو العقل العاشر وهو وسيط الإنسان إلى الأفلاك ولا يعلوهم. وهذه الهرمية موجودة في رسالة “يوم مع جماعة صوفية” عند السهروردي وفي شروحات الفيض عند العديد من المسالك الباطنية.
الملفت أن ابن سينا يقر أن العقل الأول يتجلى إلى المريد ويقول: “كأن تجليه بسبب خفائه وكأن ظهوره بسبب بطونه”. وهذا يطابق فكرة ظهور العقل الكلي، وهو الحد الأول عند الموحدين الدروز، في سيدنا حمزة (عليه السلام). إلا أن ابن سينا وبعض الصوفية يجردون الله تمامًا، ولا يقرون بالصورة المرئية. لكن يبقى السؤال: لماذا يتجلى العقل الأول في صورة مرئية وليس الله تعالى؟ ولماذا الإصرار على جعل الله عدمًا مفقودًا بدون صفات وخصائص؟ رغم أن العقل الأول هو ما يحرك كل العالم، ويوصف عند ابن سينا بالعظمة والنور الشعشعاني.
ويقول ابن سينا إن الفلك الأعلى فيه قرني الشيطان، “قرن يطير وقرن يسير”. هذا تعبير مجازي ولا يقصد به أن العقل الأول شرير. أصل هذه التسمية من حديث إسلامي: “لا تصلوا عند طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان”. القرن الذي يطير هو القدرة على الإدراك والقرن الذي يسير هو القدرة على الحركة. نجد نفس هذا التشبيه عند السهروردي ولكن في شكل أفضل، حيث يقول إنهما جناحي جبريل. اليمين يأتي في الحقائق النورانية (وهو باب الإلمام أو الإدراك) واليسار في المادة والأجسام (أي المسؤول عن الحركة عند ابن سينا). ومن هنا فكرة أن الرياضة الجسدية تقوي الجسد فيما الرياضية الروحية تقوي النفس وتعزز الإلمام والحس الروحاني.