الأغنيّة العراقيّة بخيرٍ مع رحمة رياض التي تبعدُ نفسَها عن نمطٍ مستهلك أساء لتلك الأغنيّة ولهجتها، فجعلها سلعة تُباع وتُشترى بزهدٍ في السوق الموسيقيّ، عبر أعمالٍ تفتقد للابتكار والخصوصيّة بالكلمات أو بالألحان أو بالتوزيع.
رحمة تتصدّر الإحصائيات عن الفنانات النساء في العراق، ومن يراقبُ مسيرتها، سيعي أنّها كافحتْ بكافة إرادتها لتصل إلى ما هي عليه اليوم.
(الكوكب) أغنيّة جديدة توثّق تحليلنا الموضوعيّ لوضعِها ومكانتِها بين العراقيين، الذين بمعظمهم يميلون إلى الاستماع إليها، كونها تتقن لهجتهم وكأنّ خامتها الصوتيّة خُلقت لتغنّيها، لذا لا نجد صوتًا أكثر شجنًّا وإحساسًا وبراعةً بها منها.
إقرأ: رحمة رياض كيف أصبحت نجمة العراق الأولى؟ – فيديو
إلى الملعب الرومانسيّ انتقلتْ رحمة التي تجيد الحداثة وتتجنّب بذكاءٍ الوقوع في فخّ التكرار، فرغم نجاحها الملحوظ بالنمط الحزين الذي يسرد معاناة الإنسانّ والخذلان الذي يواجهه من الأحبّة بـ (ماكو مني) و(وعد مني)، إلا أنّها لم تستغل تفوّقها في الميدان هذا، لتتجه الآن نحو مغازلة الحبيب ودعوته إلى جلسة حبٍّ حالمة في السماء بين النجوم.
الشعر الغنائيّ نسمعه بتمعنٍّ، ويُعجبنا لما يتضمّنه من جملٍ مبتكرة غير مُستخدمة سابقًا، ولعلّ هذا أحد أسرار نجاح (الكوكب) التي حظيت بالملايين من المشاهدات، ولا تزال، رغم مرور أيام قلّة على إطلاقِها.
هنا يتألّق الشاعر ماهر العزاوي الذي كتبَ مفردات لم تُستهلك بعد في سوقٍ، يعاني الإفلاس الفكريّ: (العمر لو ما نعيشه بحب فاهي وماله كلّ قيمة، اسمك خارطة عمري وعيونك هنن عنواني).
اللحنُ جميل هادئ يجعل من (الكوكب) مشروع أغنيّة زفاف أو مناسبة تجمع العشاق، ويعيد إلى الذاكرة برؤيةٍ أعمق أغنيات عراقيّة أُصدرتْ بثمانينات وتسعينات القرن الفائت، وتميّزت بالسلاسة والبساطة، لتدخل قلوب المستمعين دون معوّقات.
الألحان للعراقيّ علي صابر، الذي انتقل سريعًا لكنّ باستحقاقٍ بعد اجتهاد، لمصاف أكبر ملحنيّ العصر في بغداد.
التوزيع لمهيب الراوي الذي انتقى الآلات الموسيقيّة اللائقة بلون العمل، ونجح بكيفيّة تنسيقها، ما ساعدنا على الاسترخاء أثناء الاستماع، فالوقوع بحبّ الأغنيّة التي تعيد العراق الجميل في ذاكرتنا، ذاك الأبيّ والمُهيب والعظيم، صاحب السيّادة والقوّة والحضور المؤثّر والأمان والاستقرار واللحظات الأسريّة الجميلة التي دمّرتها الحرب الظالمة على عاصمتِه وعاصمة الحبّ بغداد، قبل أنّ يترّبع على أنقاضِها كلّ من حكمها، بعد تلك الحرب المأساوية، فأفسدها وخرّب حياة العراقيين.
لكنّ العراق سيعود وسيكون بخير، وهكذا الحال مع أغنيّته بعونِ رحمة التي نادرًا ما خيّبتْ آمالنا، وكلّ من يثابر ليقدّم فنًّا جميلًا.
عبدالله بعلبكي – بيروت