في لبنان ممثلات أكاديميات على أعلى مستوى من الحرفية والإبداع، حتى المتهمات الآتيات من عالم الجمال، تبدعن، وتمتعن وتثابرن عكس ما تدعي بعض المتغطرسات من اللواتي تتجاهلن المبدعات اللبنانيات، والأداء المدهش للجميلة ورد الخال بـ (أسود) أكبر دليل على كلامنا.
جوليا قصار أكاديمية معجونة بالموهبة، تلعب شخصية غريبة الأطوار بمسلسل (انتي مين)، تعيش آثار الحرب الأهلية المدمرة التي لم نسلم منها بعد، وتقدم أفضل أداء لممثل لبناني منذ سنوات.
استعدت لدورها جيدًا، لبست ملابسها، عاشت تفاصيلها من الداخل، مسكت بأطراف شخصيتها من المشهد الأول، تلاعبت بنبرتها حسب الموقف الدرامي، أبكتنا وضحكنا معها وسخرنا من واقعنا المشين الذي تحدثت عنه بأغلب حوارها الذي كتبته الأستاذة المحترفة كارين رزق الله.
الشخصية بعيدة وقريبة منا في آنٍ واحدٍ، لا تشبه الجميع بشكلها الخارجي لكنهما تتحدث بألسنتنا كلنا، وتطرح وجعنا والظلم الذي تعرضنا ونتعرض له من أمراء الحرب الذين استولوا على كراسي الحكم، ودعسوا على أجسادنا وتضحياتنا، ليتركوننا نعيش في وطنهم المزيف، لا وطننا الذي ملينا ونحن نحلم به.
عايدة صابرا تلعب دور صديقتها المقاتلة التي بُترت رجلها كما أيادي وأعضاء كثيرين في الحرب التي استمرت خمسة عشر عامًا، وأطلت بمشهد انفعالي جيد (Masterscene) بحلقة أمس معها وقالت: (خسرت رجلي اليسرى لأجل من لا يساويها، وسلموني نيشانًا، هل أضعه عليها؟)، كارين لا تتفلسف، تستخدم المصطلحات السهلة التي تخترق قلوبنا ووجداننا، ولكنها تحافظ على مضمونها العميق الذي يلمسنا من الداخل.
(إنتي مين) صالح وملائم ليخلق ثورةً فكريةً شعبيةً على الطبقة السياسية الحاكمة، وعمل يرفع مستوى الانتاج الدرامي اللبناني لينافس السوري والمصري، وربما يتفوق عليهما حتى، وصفعة على وجوه المنتجين الذين يعتقدون إن الميزانيات الضخمة وحدها من تصنع دراما ناجحة، ها هي كارين تخالف كل التوقعات من جديد، وتتصدر، وتثبت إن للمشاهد اللبناني حاسة وذوق فني يجعلناه يفرق بين العمل الجيد والهادف وبين الساقط والمستنسخ والرديء.
عبدالله بعلبكي – بيروت