مرّت الأسابيع ودخلت الحرب في لبنان شهرها الثاني، واللبناني يعاني من فقدٍ للأحبة والممتلكات وحتى المأوى. فالمنكوبون يعبرون عن حزنهم بفقدان الحجر كما لو كان جزءًا من الروح. فالحرب ليست مجرد نزاع مسلح، بل ساحة للأحاسيس الإنسانية العميقة التي تؤثر على حياة الأفراد وتشكل الصراعات الداخلية، التي من الممكن أن ترافق من يعاني منها لفترات طويلة.
اللبناني اليوم يعيش منذ بداية الحرب، بالإضافة الى الصدمة، ما يعرف بالحداد النفسي، وهو الحزن الشديد على الخسارة الكبيرة التي نواجهها، على صعيد الحجر،الوطن، الأشخاص وحتى السلام الداخلي، وهذا يتسبب بسحابة من التوتر بين جميع أفراد المجتمع.
اليوم وفي هذا المقال ومن أجل فهم ما يدور في أعماق نفوسنا جراء هذه الحرب الأليمة، سنوضح لكم المعنى الحقيقي لما نشعر به، وسنتعرف على أسبابه وكيفية التعامل مه.
اقرأ: اليسا: المتصهين ينتمي الى بيئة حزب الله وليس سمير جعجع
في البداية دعونا نوضح من الشق العلمي ما هو الفرق بين رد فعل والمشاعر، وتحت أي عنوان تندرج الأحاسيس التي يعيشها اللبناني اليوم في ظل وطئه الحرب القاسية؟
مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على لبنان، عاش اللبنانيون على امتداد 10452 كم٢ أحاسيس سوداء مترافقة مع أعراض بيولوجية منها اضطراب النوم والطعام وأوجاع المفاصل، وهذا ما يعرفه علم النفس بـرد الفعل وهو آلية دفاعية يستبدل فيها الفرد دون وعي الدوافع غير المرغوب فيها أو المثيرة للقلق بعكسها، وتشير معظم النظريات إلى أن تكوين رد الفعل يتطور كوسيلة للتعامل مع التوتر والضغط الناتجين عن إحساس هو في الأصل سيء.
وفي الأزمات والكوارث، كالحرب التي نشهدها اليوم في لبنان، يختلف رد فعل الأفراد بين الخوف، الحزن، الغضب، وأحيانًا الشجاعة، وهي ردود فعل طبيعية نتيجة لما نعيشه من كوارث دموية مخيفة.
اقرأ: جيش العدو يواجه الانهيار وحزب الله يستعد للرد الحاسم
لكن مع استمرار الحرب، وامتزاج ردود الأفعال مع الأفكار التي ندركها عن واقع الحروب، من التجارب الإنسانية السابقة، مثل أفكار فقدان الأشخاص الغاليين على قلوبنا، أو أفكار التشرد، والعوز، والتعرض لإعاقات جسدية، وأفكار كثيرة ثانية. تتحول ردود الأفعال الى مشاعر.
إذا المشاعر هي ردود الأفعال التي نعيشها لفترة طويلة وتصبح ممزوجة بالأفكار، وتقيمنا الذاتي لها بناءً على التجارب الداخلية المعرفية أو الحسية أو الإدراكية.
ولفهم علمي عميق لما نتحدث عنه لا بد من فهم أشهر النظريات الحديثة التي عالجت موضوع المشاعر وغاصت بتفاصيله، وهي نظرية بول إيكمان التي قسمت مشاعرنا الى 6 مشاعر أساسية فطرية يشترك فيها جميع البشر، بغض النظر عن خلفياتهم المناطقية، العرقية والدينية.
اقرأ: حزب الله يهدد نتنياهو
فبول إيكمان يعرّف المشاعر كاستجابات سريعة تأتي كردود فعل على مواقف معينة. وقد حدد ست مشاعر أساسية: السعادة، الحزن، الغضب، الخوف، الدهشة، والاشمئزاز. هذه المشاعر تشكل أساس ردود الفعل الإنسانية، وتكون هذه المشاعر مربوطة بتعابير تظهر علينا وتشكل أساسا لفهم البشر لما يشعر الأخرين.
ما علينا فهمه من هذه النظرية واستخدامه خلال تعاطينا مع المشاعر التي نعيشها في الحرب، هو أن المشاعر، حتى ولو كانت سلبية في بعض الأحيان، تحمي الإنسان من مواقف كثيرة، فالخوف، أو القلق من أحداث معينة، يحمينا من خطرها، فمثلاً الخوف من الذهاب الى أماكن تتعرض للقصف، يحمينا من الأضرار التي تنجم عنها، كذلك الشعور بالحزن يمكن أن يتيح لنا فرصة الحصول على الدعم العاطفي من الناس المحيطين بنا.
وهذا خير دليل على أننا يجب أن نعيش مشاعرنا ونطلق لها العنان بدلاً من محاربتها في هذه الأوضاع، فعلينا أن نظهر الخوف والحزن لكي نحصل على الدعم المطلوب.
ولعل أبرز ما تحدث عنه بول إيكمان، والذي ينطبق على حياتنا اليوم في لبنان، ويندرج بالنسبة لنا كبشر وبعيداً عن العلم كنوع من الاضطرابات النفسي أو الصراع الداخلي هو التضاد في المشاعر.
وهو أن نعيش شعوريين مختلفين كلياً جراء حادثة واحدة في الوقت نفسه، وخلال الحروب، قد يجتمع الخوف والحزن مع الغضب والشجاعة، وهذا ما يعتبره علم النفس طبيعي على عكس اعتقاداتنا.
وخير مثال على ذلك، أنه يمكن لوالدة الشهيد أن تشعر بالحزن لفقدان ابنها والفخر ببطولته، مما يولد صراعًا عاطفيًا كبير.
ولكن كل هذه المشاعر، وفي حال عدم فهمها وعيشها بالشكل الصحيح، وإدراك الأفكار التي تسببت بها، ستتحول مع الوقت الى مزاج، لتتفاقم وتصبح اضطراب نفسي يصعب التخلص منه، لذلك كان لنا اتصال مع الأخصائي النفسي الكلينيكي فؤاد منذر، رئيس الأبحاث في شركة أكس أر أبي XRAPY، لفهم هذا الموضوع بشكل أكبر، والتحدث عن دور الواقع الافتراضي والتكنولوجيا في تسوية هذه الحالات.
اقرأ: فيفي عبده وطبيب نفسي بسبب غزة (الحرب على الحالة النفسية) دراسة؟
الذي استهل حديثه مؤكداً أن استعادة التوازن النفسي تتطلب فهم المشاعر وتقبلها دون قمعها، بحيث يدرك الشخص أن المشاعر هي استجابات مؤقتة وطبيعية، مما يسهل التحكم بها، وأضاف أنه لتقنيات التنفس العميق والتأمل دور مساعد في تهدئة النفس وإعادة التوازن، كما أن كتابة اليوميات والتحدث مع الأصدقاء يخفف من حدة المشاعر المتضاربة التي يعيشها الأشخاص خلال الحرب.
“أتوجه الى القارء اللبناني بخالص التضامن والتعاطف والعزاء لكل ما يمر به اليوم، وأطلب منه أن يعيش مشاعره ويعبر عنها بدلاً من محاربتها، وفي الوقت نفسه عليه أن يدرك الأفكار التي تتسبب له في هذه المشاعر لنعمل عليها. ولنشعر بطاقة أفضل في هذه الأيام العصيبة أدعوا الجميع لكتابة يومياتهم والتحدث عن مشاعرهم للأخرين بالإضافة الى ممارسة بعض تقنيات التنفس وتمارين التأمل، ريثما نستطيع الحصول على التدخل النفسي المطلوب.”
كما كشف عن أدوات مبتكرة لإدارة المشاعر، مثل تقنيات الواقع الافتراضي ومنصات التدريب النفسي حيث يوفرالواقع الافتراضي بيئة محايدة يمكن للشخص من خلالها التفاعل مع سيناريوهات افتراضية مشابهة لتجاربه الواقعية.
هذا التفاعل يساعد في تحفيز المشاعر وإعادة تدريب العقل والجسد على الاستجابة بشكل هادئ ومتحكم، ففي سياق الحرب، يمكن للشخص أن يتعرض لتجارب افتراضية تحاكي النزاعات، ولكن ضمن بيئة مسيطر عليها ومحايدة، مما يسمح له بالتركيز على استجاباته الذاتية دون تأثيرات خارجية، وبالتالي يمكنه التدرب على استراتيجيات التعامل مع مشاعره بأمان.
“نحن اليوم في شركة أكس آر أبي، عملنا جاهداً مع فريق خاص من الباحثين والمطورين التكنولوجيين وجئنا بمنصة نفسية رقمية تحت عنوان (ريكافور – RCOVR) وهي تطبيق يتيح لأي شخص في لبنان فور تحميله أن يحصل على بيئات افتراضية مدروسة ومناسبة، تساعد الأشخاص للتدريب على مهارات التأقلم في بيئات افتراضية محايدة من أجل التغلب على مشاعرهم وممارسة بعض التمارين التي تساعدهم على التعامل مع انفعالاتهم بشكل أفضل، مما يتيح للأشخاص فرصة الحصول على صحة نفسة افضل دون ضرورة الذهاب الى عيادات المعالجين النفسيين في ظل الظروف الراهنة”.
اقرأ: نضال الأحمدية: علاج سحري ومجاني لكل الأمراض النفسية والعضوية
وفي تفاصيل أكثر عن منصات التدريب النفسي، يشرحمنذر أنها تقدم برامج يديرها خبراء نفسيون وتشمل مهارات التعامل مع المشاعر ومراقبتها بطرق علمية، إلى جانب تقنيات الاسترخاء. تشكل هذه البرامج جزءًا من خطة علاجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز التوازن النفسي والرفاهية العاطفية، خاصة للأشخاص المتأثرين بالنزاعات.
اذاً في خضم الصراعات، تبرز أهمية الصحة النفسية كدرع يحمي الأفراد من آثار الحرب المدمرة. إن فهم وتدريب العقل على إدارة المشاعر هو بمثابة استثمار في المستقبل. فبالاعتماد على أدوات علمية متطورة، يمكن للفرد تحويل تحديات الحرب إلى فرص للنمو والمرونة. إن الاستثمار في الصحة النفسية ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة ملحة لبناء مجتمعات أقوى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.
الاخصائي النفسي: فؤاد منذر