الدراما السورية تمتلك منذ زمن بعيد مقومات حقيقية، تجعلها متقدمة عربيًا، هي التي تمتلك نكهة خاصة تشبه واقعية وسحر مدينة الحاضر والماضي والمستقبل دمشق، هذه المدينة التي تنطق بلهجة ساحرة محببة لجميع الدول العربية، اللهجة التي ساهمت بقدرات ممثليها على انتشار الدراما التركية عربيًا.
الممثل السوري، الوحيد القادر على احتراف دور تاريخي, يجعلك تصدق ما ترى، وتقول نحن هنا في التاريخ البعيد القريب، ينطق اللغة العربية بأدوات مبتكرة دون مجهود كبير، ويتقن مخارج الحروف دون تكلف. باختصار حافظ منذ القدم على تاريخه الحقيقي وخصوصية كل منطقة في بلاده التي تتميز بالتعددية والتي جعلت منا الأن منافسين وعبيدًا للقرارات السياسية المتداخلة في الفن وفي كل جوانب الحياة.
في تاريخ تطور الدراما السورية, كان تقديم النجوم أمرًا ليس بالسهل, لأن صناعة نجم يحتاج إلى قدرات إنتاجية هائلة, واستمرارية في التصاعد الفني والتقني, ووجود محطات تلفزيونية تعرض المنتج السوري الخالص بحريته, دون تحكم المحطات الأخرى بحال الفن الدرامي السوري, تلبية لرغبات تجارية أو خصوصية ثقافية ترتبط بهذه البلاد، وهذا الحال لم يتحقق حتى الأن. عندما أصبحت الدراما السورية متفردة وبأحسن حالاتها, جاءت الأزمة السورية وفككتها, بداية من حالات الإستقطاب السياسي للفنانين وصناع هذا الفن الملتزم, وصولا إلى واقع البلاد الإقتصادي, الذي جعل كل صناعها رهينة له فاضطرهم للهجرة والبحث عن مصدر الرزق, وهذا حق مشروع لكل انسان.
من ناحية أخرى, توقفت في سورية حالة ظهور نجمات ونجوم جدد, رغم وجودهم بكثرة ورغم امتلاك الكثيير منهم لمقومات أكاديمية وجمالية وثقافة عالية, وشغف بالعمل والإيمان بمشروع حقيقي.
الكثيير من هؤلاء يحاولون بشتى الطرق البحث عن هوية, وتقديم أنفسهم بذكاء وبجهد كبيرين, لكن تبقى المحطات التلفزيونية صاحبة القرار بأبقائهم عند حد لا يستطيعون فيه التجاوز, وتغيير منظومة تتكون من نجوم تخطوا أعمار الشخصيات التي يقدمونها, ولم نعد نستطيع الإقتناع بأدواتهم مهما حاولوا أن يظهروها بحرفية عالية.
الدراما السورية بحاجة إلى دم جديد ونجوم جدد, يأخذون فرصًا حقيقية تتناسب مع الشرط الفني وتسمح للشباب أن يجربوا, ويشكلوا مع الزمن التراكم الذي يصنع الفنان النجم.
عندما أتذكر واقع الدراما السورية في سنين الحرب أتساءل, أين دانا مارديني الممثلة الشابة التي تمتلك أدوات فنية ومشاعر مرهفة, وقدرة غير عادية على الجنون والتلون المعقد بالحالات الإنسانية في الأدوار التي تؤديها؟ لم أعد أرها على الشاشة الصغيرة، هي التي تستحق أن تلعب جمة صف أول مع كثيرين من أبناء جيلها, حتى بالطريقة التقليدية التي كان يقدم فيها النجم السوري عن طريق البطولات الجماعية لكي تؤمن شركة الإنتاج بيع العمل.
لكننا الأن لم نعد نرى شركات تمتلك مشروع فني,الشركات الحالية تتخبط لتحصل على المال بتقديم أعمال مستنسخة ومكررة,قائمة على نصوص هشة,كتابها لايمتلكون فكر ولا حتى أدنى مقومات الإبداع الكتابي.
وحتى اختيار المخرجين,أضعف هذه الدراما لدرجة كبيرة بعد أن انهزم أصحاب المشاريع المهمة خارج البلاد حتى أصبحت الساحة الفنية ساحة للمتسلقين على المهنة .
والمعهد العالي للفنون المسرحية لم يعد يمتلك منهج ولا خطة ملتزمة مثلما كان سابقا,وهو صاحب الفضل الأكبر بتمييز الممثل السوري المثقف والمبدع,الذي يتخرج منه وهو واثق وقادر على تقديم نفسه بخصوصية وعمق في الأداء.
اليوم نحن بحاجة إلى اختراق حقيقي لهؤلاء النجوم الجدد,وإعطاءهم فرص كبيرة بنصوص واقعية وبتقنية إخراجية تسمح للمخرجين الجدد أيضا بتقديم أنفسهم بحرية,بعيدا عن عبودية المحطات العربية التي جعلت من المنتج السوري هزيل,حتى صرنا لم نعد نرى النجوم السوريين ع الشاشات,بالرغم من رغبة الكثيير من الجماهير العربية بأعادة خلق الدراما السورية بنجومها وخصوصيتها.
لذلك لابد من العمل على فتح محطات سورية تتولى عرض المنتج السوري,ومنصات محلية تعلي سقف المنافسة,هكذا نضمن تمكن الدراما السورية من التحليق بحرية وبتصدير نفسها بخصوصيتها المميزة عن الدراما العربية.
الدراما السورية ليست فقط مجرد دراما, هي فن استطاع مع الزمن رسم صورة سورية وشعبها وثقافتها و حضارتها و واقعيتها البسيطة المعقدة,خاصة وأن الفنون هي التي تعبر عن واقع الحال في أي بلد في العالم والدراما هي صناعة تحكي في مضمونها قصة بلد قائم من عشرة ألاف عام
ومتعايش باختلاف لهجاته وتعدديته القومية والدينية .
الطاقات الشابة في التمثيل السوري قادرة على صناعة دراما متمكنة,تنافس بقوة عربيا وعالميا وخاصة و أن هؤلاء هم أكثر الشعوب الذين يمتلكون القدرة على تحمل كل الظروف القاسية,يسطيعوا بسهولة خلق حالة فنية سينمائية بمقومات بسيطة,ليس فقط لأنهم يتماشوا مع وضع البلاد,بل لأنهم يعشقون الفن وحلمهم البعيد أصبح واقع معاش لكي يستمروا ويكملوا ماأنجزوه الذين سبقوهم.
كنان شقير – سوريا