تتنوّع أخبارنا في (الجرس) ما بين الأخبار اليومية، ولو، والرأي وصولاً إلى التحقيقات، وأغلبيتها تتناول أخبار النجوم الحصرية فننتقدهم عند الحاجة ونهلل لهم عندما يستحقون، لكننا نتفاجأ عادة بلغة التخاطب التي يقدمون النشطاء فيها تعليقاتهم تعقيباً على نشرنا لخبر ما، أو صور أو تحليل سياسي، وغير ذلك. وهذا يطرح علامات استفهام كثيرة، حول اللغة التي يتواصل من خلالها الناس عبر المواقع الالكترونية.
هناك مَن إذا لم يناسبه خبرٌ ما، صورة ما، نكتة ما، يعلّق بأبشع الألفاظ وأقذر التعابير، ما دون “الشوارعجية” ويتخطى بذلك إبداء الرأي، فيشن حملة مفردات بذيئة، ولا ينتهي بقدح وذم وتشهير، وحتى انتهاك عرض مَن لم يعجبه، لتبدأ حفلةٌ من التوصيفات والإتهامات والشتم، مع كمّ من الدناءة لا مثيل له، على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.
مشكورة هذه المواقع التي تعمل كرقيب على تعليقات روّادها، لكن، هل يكفي التحذير والتعميم بتوقيف أصحاب الألسنة القذرة، الذين غالباً ما يخفون أسماءهم الحقيقية بأخرى مستعارة، ليبخّوا من ورائها سمَومهم وحقاراتهم اللفظية؟
يوتّرون الأجواء الإلكترونية، ويستفزوّن الآخر، للرد بما هو أبشع؟ فتصبح مواقع التواصل، ساحات ردح رخيصة بدل أن تُفتح مساحات للتبادل الفكري، الثقافي، المعلوماتي الراقي؟
إن الثورة التكنولوجية لها إيجابياتها ولكن سلبياتها أكثر فقضت على أخلاق الناس، وعلى عاداتهم وتقاليدهم وعلى احترامهم لنفسهم قبل الغير، وأنهت العلاقات الإجتماعية والعائلية والصداقة الحقيقية، أذكر مثلاً عندما كنت طفلة كنت ملمّة بقراءة القصص التي تناسب عمري وكان مصروفي اليومي مخصصاً لشراء القصص، وكنت كلّما أكبر عاماً أشتري الكتب وأنهيها بفترة يومين أو ثلاثة، حتى وصلت إلى الجامعة ووجدت نفسي أعرف كثيراً عن اختصاصي بالمعلوماتية لأنني كنت أشتري كتباً مختصة بالعلم والرياضيات والفيزياء والكيمياء وأنهيت سنواتي الثلاث في الجامعة بتفوّق، ولكنني وفور تخرّجي اندمجت مع الثورة التكنولجية واستغنيت عن كل الكتب والثقافة، وباتت كل أنظاري متجهة إلى السوشيال ميديا فضعت في أدغال الشبكة العنكبوتية حتى فقدت شغفي بالقراءة وبت كلّما يصيبنا الملل أهرب إلى السوشيال ميديا بدلاً من الكتب وبعض المعلومات غير الدقيقة على الغوغل حتى وصلت إلى درجة لا أطيق فيها القراءة ولا الثقافة وتراجعتُ ملايين الخطوات إلى الوراء.
وبدل أن أجتمع مع أصدقاء طفولتي في قهوة أو في مكان عام ونتناقش بالكتب التي قرأناها وبأحداثنا اليومية، أصبحنا نجتمع من خلال الغروب على الواتس آب ونتناقش بعدد الفولورز والأصدقاء والـ Influencers.
السوشيال ميديا لم تخدم الإنسان، بل قضت على الإنسانية وعلى المهن وبتنا نرى الدخلاء على الصحافة وأصبح كل ناشط مخبراً ويطلق على نفسه صفة الصحافي فينشيء موقعاً ويعتدي على كرامات الناس وعلى أسياده في الصحافة المكتوبة..
سارة العسراوي – بيروت