يواصل الذهب خسائره الكبيرة ويتداول أدنى 2670 دولار، تحت ضغوط متزايدة من الارتفاعات في عائدات السندات الأمريكية وسط التفاؤل الاقتصادي المدعوم بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. فعلى الرغم من أن الذهب يُعتبر تقليدياً ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين، إلا أن توقعات سياسات ترامب التوسعية تعزز قوة الدولار وتجذب المستثمرين بعيداً عن المعادن الثمينة. وفي ظل هذه الظروف، يبدو لي أن الأسعار قد تستمر في التداول تحت مستوى 2670 دولار، وهو ما يعكس الضغوط التي يواجهها الذهب نتيجة التطورات الاقتصادية والسياسية الأخيرة في الولايات المتحدة.
اقرأ: حصري: أسعار الذهب أدنى 2700 دولار
ومن وجهة نظري سيبقى الذهب تحت تأثير انتعاش الدولار الأمريكي، وسيتراجع نتيجة ترقب الأسواق لإجراءات السياسة المالية التي قد يتبناها ترامب، حيث تتطلع الأسواق إلى برامج إنفاق حكومية ضخمة وإصلاحات ضريبية قد تعزز من نمو الاقتصاد الأمريكي. وهذا يدفع تفاؤل المستثمرين نحو الأصول الأمريكية ويعزز من قيمة الدولار، مما يُثقل على الذهب كونه سلعة غير مدرة للعوائد. وبالتالي، نجد أن التوجه نحو الدولار وعائدات السندات يأتي على حساب الذهب، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته.
وبالنظر إلى تأثير عائدات السندات الأمريكية، يمكنني القول أن ارتفاعها يمثل عامل ضغط إضافي على أسعار الذهب، حيث إن عائدات السندات المرتفعة تجذب المستثمرين بعيداً عن الأصول التي لا توفر عوائد مثل الذهب. وبرايي يُشير صعود عائدات سندات الخزانة بشكل كبير إلى توقعات بنمو اقتصادي مستقبلي قوي، وهو ما يعزز من جاذبية الدولار ويشكل بيئة معاكسة لارتفاع أسعار الذهب. وأرى أن هذا الاتجاه قد يستمر على المدى القصير، لا سيما مع توقعات بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بمزيد من تخفيف السياسات النقدية، مما يرفع العوائد ويضغط سلباً على المعدن الأصفر.
اقرأ: الذهب يرتفع وسط الإشارات المختلطة حول الانتخابات الأمريكية – تحليل خاص
وفي ظل هذه التحديات، يعول مستثمرو الذهب على تقرير التضخم الأمريكي القادم وتصريحات الفيدرالي لفتح نافذة أمل محتملة. فالمستثمرون يترقبون بيانات التضخم، حيث يتوقع أن يوفر مؤشر أسعار المستهلك إشارات حول استقرار الأسعار وموقف الفيدرالي المستقبلي من الفائدة. وإذا جاءت بيانات التضخم أضعف من المتوقع، قد نشهد ضعفاً في الدولار، مما يمكن أن يدعم الذهب نسبياً. لكني أرى أنه حتى إذا قدمت بيانات التضخم بعض الدعم المؤقت للذهب، فإن عودة التفاؤل الاقتصادي والنمو في الولايات المتحدة، وارتفاع العائدات، سيستمر في ممارسة ضغط كبير على أسعار الذهب.
بالإضافة إلى ذلك، نجد أن خطاب الاحتياطي الفيدرالي قد يلعب دوراً مهماً في توجيه الأسواق، حيث أظهر البيان الأخير للبنك المركزي اتجاهاً حذراً فيما يتعلق بالسياسة النقدية المستقبلية. رغم خفض سعر الفائدة الأخير، وتجنب الفيدرالي الإشارة إلى تخفيض آخر محتمل في ديسمبر، مما يشير إلى سياسة نقدية متوازنة وقد يعكس نية البنك المركزي في التريث وعدم الإفراط في التخفيف. كما إن موقف الفيدرالي المتزن قد يدعم الدولار ويسهم في إبقاء الذهب تحت الضغوط، خاصة إذا استمرت التوقعات الاقتصادية الإيجابية المتعلقة بسياسات ترامب.
اقرأ: الذهب يتعرض للضغط وسط التضخم العنيد – تحليل خاص
ورغم كل هذه التحديات، لا يمكن التغافل عن بعض التوترات التي قد تدفع المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن، خصوصاً مع المخاوف من السياسات التجارية المتشددة التي قد ينتهجها ترامب. مثل فرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على الواردات الأمريكية مما قد يعزز من التضخم ويزيد من تكلفة الواردات، مما يدفع المستثمرين للتوجه نحو الذهب لحماية استثماراتهم في ظل التوترات التجارية المحتملة. ومن وجهة نظري، يمثل هذا التوجه دعمًا محدودًا للذهب، لأن التفاؤل بنمو الاقتصاد الأمريكي يقود المشهد العام.
ومن جهة أخرى، يميل المستثمرون إلى تجنب اتخاذ مواقف حاسمة قبل إصدار بيانات التضخم الأساسية وتوقعات الفيدرالي هذا الأسبوع، مما قد يحد من تذبذب الذهب مؤقتاً. وهذا الحذر يعكس حالة الانتظار التي يمر بها السوق، حيث يتوقع البعض أن تأتي البيانات والتصريحات بتلميحات تدعم أو تقلل من فرص التخفيف المستقبلي. وأرى أن هذا الانتظار لن يؤثر بشكل كبير على الذهب، إلا إذا شهدنا تغيرات مفاجئة في سياسات الفيدرالي أو في بيانات التضخم بشكل يفوق التوقعات.
اقرأ: أسعار الذهب تستقر بحذر – تحليل خاص
وبناء على ماسبق، أعتقد أن سعر الذهب سيواجه صعوبات في تحقيق استقرار أعلى من 2670 دولار على المدى القصير. ورغم بعض العوامل التي قد توفر له دعماً مؤقتاً، فإن توجه المستثمرين نحو الدولار والعوائد الأمريكية المرتفعة يحد من قدرته على التعافي. وستبقى الأعين مركزة على بيانات التضخم وتعليقات الفيدرالي كمؤشرات رئيسية لحركة الذهب المستقبلية، لكن في ظل التفاؤل بانتعاش الاقتصاد الأمريكي، يبدو أن رحلة أسعار الذهب في مسار تنازلي قد تستمر، إلا إذا عادت بعض التوترات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعزز من جاذبيته كملاذ آمن.
تحليل: رانيا جول