في الواقع قد يصاب الأفراد بالقشعريرة أثناء المرور بلحظة عاطفية مميزة كالنشوة الجنسية، أو نتيجة الإحساس بالنوستالجيا Nostalgy- WRعند الاستماع إلى أغنية معيّنة، أو عند الشعور بالبرد أو الذعر، فتصيب القشعريرة جميع أنحاء الجسم تقريباً، بحيث تنقبض العضلات الصغيرة التي تؤثر على بصيلات الشعر، وهو ما ينتج وقوف الشعر وانقباض الغدد الدهنية للعضلات. بمعنى آخر، يمكن القول إن القشعريرة هي تفاعل عصبي مرتبط باستجابة المواجهة أو الفرار.
ما هي الأسباب التي تدفعنا للشعور بالقشعريرة، وكيف بإمكان الموسيقى أن تُحدث قشعريرة تضاهي قوتها النشوة الجنسية؟
القشعريرة…. إحدى رموز التطور البشري.
إن القشعريرة ظاهرة فيزيولوجية قديمة موروثة من الإنسان القديم والذي كان يتميّز بكثافة شعره مقارنة بالإنسان الحديث، وعليه كانت القشعريرة تضطلع بوظيفتين أساسيتين: تحدث عندما يتعرّض الجسم للبرودة بغية تكبير حجم الهواء تحت الشعر وفوق الجلد، لإنتاج عزل حراري أفضل للجسم.
ومن ناحية أخرى، كانت القشعريرة تظهر عند وجود تهديد ما، فكان يقف شعر جسم الإنسان القديم بالكامل، حتى يخال وكأنه أصبح أكبر حجماً، ما يبثّ الخوف في نفس العدو، واللافت أن هذه الظاهرة لا نزال نلاحظها أيضاً عند بعض الحيوانات، بخاصة القطط التي يبرز شعر جسمها بالكامل عندما تشعر بالبرد أو بأنها مهددة من قبل حيوان مفترس أو أكبر منها في الحجم.
وخلال مرحلة التطور البشري عثر الإنسان على طرق أفضل لحماية نفسه من البرد والذعر، كما أن كثافة الشعر تراجعت مع مرور الوقت، غير أنّ الشعور بالقشعريرة بقي مصاحباً البشر حتى يومنا هذا.
وبمعزل عن البرد أو الشعور بالخوف والتهديد، هناك بعض الحالات والمواقف التي يشعر فيها الإنسان بالقشعريرة، مثل سماع أصوات مزعجة كالطبشور أو صرير الحشرات، وهي ظاهرة يمكن أن تكون غريزة بدائية للبشر، لأنه في السابق كانت المواقف الخطيرة مصحوبة بأصوات غريبة وصاخبة، فتأتي القشعريرة في هذه الحالات لتنبه الجسم لوجود خطر ما وتهيّئه للمواجهة، وبالتالي يمكن القول إن القشعريرة واكبت التطور البشري.
النشوة الجلدية
لا ترافق القشعريرة المواقف السلبية فقط، إنما يمكن أن تعكس حالة من العشق التي يشعر بها بعض الناس في مواقف معيّنة، بخاصة عند الاستماع إلى أغنية ما تذكرهم بالحبيب.
واللافت أن بعض الأفراد يشعرون بالموسيقى بقوة بحيث يمكن مقارنة الأحاسيس التي يختبرونها بحالتهم عند ممارسة الجنس، فكيف تحرّك أغنية معيّنة الجسم والعقل بهذه الطريقة؟
في الواقع إن الموسيقى قادرة على نقل المرء من حالة إلى أخرى، ومن عالم سوداوي وقاتم إلى آخر زهري مليء بالفانتازيا، لدرجة وصول البعض إلى حدّ مقارنة تأثير الموسيقى بالوصول إلى النشوة الجنسية، في سياق ظاهرة تعرف بـ”النشوة الجلدية”، وهي عبارة عن شعور قوي باللذة لدرجة تجعل الجسم كله يهتز، ويمكن أن يؤدي هذا الشعور إلى الارتجاف والتعرّق وحتى الاستثارة الجنسية.
في هذا الصدد، أوضح احد أخصائي علم النفس أن “النشوة الجلدية” هي وصف دقيق وفريد للظواهر العاطفية الناجمة عن الموسيقى. وظاهرة “النشوة الجلدية” هي عبارة عن شعور قوي باللذة لدرجة تجعل الجسم كله يهتز، ويمكن أن يؤدي هذا الشعور إلى الارتجاف والتعرّق وحتى الاستثارة الجنسية
وأعتبر أن مصطلح “النشوة الجلدية” ينطوي على إحساس ممتع: “يؤثر على أجزاء مختلفة من الجسم بحسب الشخص وظروف تأثره، ويحتفظ بمكوّنات بيولوجية ونفسية مماثلة للنشوة الجنسية”، منوِّهاً بأن هذا المصطلح نادراً ما يُستخدم بسبب دلالاته الجنسية.
هناك الكثير من الدراسات التي حاولت تحديد السبب وراء وجود أنواع معيّنة من الموسيقى تثير هذه الاستجابات الجسدية الحادة لدى بعض الناس، وفي هذا الصدد وجدت إحدى الدراسات أن ردود الأفعال النفسية والفيزيولوجية الأكثر شيوعاً تحدث عند الاستجابة للموسيقى الكلاسيكية.
واللافت أن بعض الأفراد يشعرون بالموسيقى بقوة بحيث يمكن مقارنة الأحاسيس التي يختبرونها بحالتهم عند ممارسة الجنس، فكيف تحرّك أغنية معيّنة الجسم والعقل بهذه الطريقة؟
وظاهرة “النشوة الجلدية” هي عبارة عن شعور قوي باللذة لدرجة تجعل الجسم كله يهتز، ويمكن أن يؤدي هذا الشعور إلى الارتجاف والتعرّق وحتى الاستثارة الجنسية.
واللافت أن الموسيقى الكلاسيكية ليست وحدها التي تثير “النشوة الجلدية”، إذ أكّد الباحثون أن أنواعاً موسيقية أخرى مثل البوب والموسيقى الفولكلورية والموسيقى الشعبية التقليدية في مناطق أخرى من العالم، يمكن أن تولّد مشاعر مماثلة.
ردود الأفعال
كما أشرنا، فإن الموسيقى قد تسبب هزات الجلد ولها قدرة فريدة على توليد لحظات من العواطف المكثفة، وهي اللحظات التي تعرف أيضاً بـ”القشعريرة”، فقد اكتشف الباحثون أن بعض الألحان تسبّب المتعة والسعادة نفسها التي يحصل عليها الزوجان أثناء أوقاتهما الحميمة.
ومن الملاحظ أن ردود الأفعال تجاه الموسيقى تختلف من شخص إلى آخر، فقد كشفت إحدى الدراسات أن 80% من الأشخاص يتجاوبون مع الموسيقى برد فعل جسدي، بما في ذلك الشعور بالارتعاش في العمود الفقري، الضحك وذرف الدموع والإصابة بغصّة في الحلق.
ووجدت دراسة أخرى أن حوالي 24% من الأشخاص يذرفون الدموع عند سماع الموسيقى، و10% يصابون بارتعاشات فيما يصاب 5% بقشعريرة.
نظريات وراء هزات الجلد.
هناك عدد من النظريات التي تقدم تفسيرات لانفعال الجسم على هذا النحو بالموسيقى، ويُعتقد أن ذلك يرتبط بإطلاق هرمون الدوبامين المسؤول عن العواطف والمشاعر أو هرمون الأدرينالين، كما يُعتقد بأن المنطقة السمعية من الدماغ ترتبط بمناطق تحليل العواطف والمكافأة.
في هذا الصدد، أجريت أبحاث على مجموعة من الأشخاص الذين تنتابهم القشعريرة عند سماع الموسيقى، للوقوف على أسباب ومدلولات هذا الشعور.
وقاموا بفحص 20 طالباً، أكد 10 من بينهم شعورهم بالقشعريرة عند سماع بعض المقطوعات الموسيقية، وبعدها قام الباحث بتصوير أدمغة الجميع للمقارنة بينهم.
وجدوا أن بنية أدمغة أولئك الذين يشعرون بالقشعريرة عند سماع الموسيقى تختلف عنها عند من لا يشعرون بها، بحيث أن قشرة دماغ من يشعرون بالقشعريرة تمتاز بألياف عصبية أكثر كثافة عند القشرة السمعية ومناطق المخ التي تعالج العواطف، وهو ما يعني أن لديهم قدرة على توصيل الإشارات العصبية في تلك المناطق بشكل أفضل من غيرهم.
وكانت نتائج الدراسة تدل على أن من يشعرون بالقشعريرة عند سماع الموسيقى لديهم مشاعر أقوى من غيرهم.
الجدير بالذكر أن العلماء وجدوا أيضاً أنه بعد استماع النساء إلى مقطع موسيقي كلاسيكي قصير، تزداد لديهن الرغبة في الانخراط في علاقة رومانسية، إذ تجعل الموسيقى الكلاسيكية الرجال أكثر جاذبية في عيون الإناث.
كما قارن باحثون كيفية تغير رغبة الرجال والنساء في الدخول في علاقة مع الجنس الآخر، في حال استماعهم إلى موسيقى بيانو كلاسيكية قبل عرض صور لهم.
واتضح أن تلك الموسيقى لا تؤثر على الرجال بأي شكل من الأشكال، في حين أن تأثير الموسيقى على المرأة كان مهماً، بحيث كانت رغبة النساء تزداد كلما كان إيقاع البيانو أسرع.
د. وليد ابودهن