وفقًا لتحليل علمي أجري على اقتصادات أكثر من 100 دولة مختلفة، شمل تقييمات حول ارتباط الاقتصاد بالدين، لأكثر من مئة عام، وجد باحثون أن البلدان تصبح أكثر ثراءً كلما اتجهت نحو سياسات أكثر علمانية”، هذا ما ذكرته الكاتبة الأمريكية سكوتي أندرو، في مقالتها في مجلة (نيوز ويك) الأمريكية.
ووفقًا للتحليل، يرتبط التقدم الاجتماعي في مختلف المجتمعات بالابتعاد عن الإفراط في التدين، الأمر الذي يعزز التسامح، واندماج عناصر المجتمع بشتى أطيافه، ما يحسّن النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.
لطالما شددت منظمات مثل الأمم المتحدة على قيمة الإدماج الاجتماعي للأقليات الدينية، لا سيما في الدول المتقدمة ذات التمييز المتفشي. وما يؤكد على هذه القيمة، بحث جديد يطرح حافزًا ماليًا في هذا الصدد: كلما أصبح المجتمع أكثر تسامحًا، كلما أصبح أكثر ازدهارًا وثراءً.
ووفقًا للباحثين، فإن ارتفاع مؤشر التسامح يرتبط طرديًا مع النمو الاقتصادي للبلدان المختلفة. هذه الدراسة –المنشورة مؤخرًا في مجلة (ساينس أدفانسز) العلمية- تشكل دليلًا حاسمًا على أن التقدم الاجتماعي يحقق رخاءً اقتصاديًا وثراء رائعًا للمجتمعات.
ومن أجل تقييم الآثار الاقتصادية الناتجة عن انخفاض التديّن، أجرى مؤلفو الدراسة مقارنة بين الناتج المحلي الإجمالي التاريخي للفرد خلال الأعوام 1900 – 2000، ونتائج دراسات استقصائية حول القيم الثقافية للأفراد من مختلف الفئات العمرية والديمغرافية. وقد وجد الباحثون أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ازداد مع ازدياد علمانية الدولة.
وحسب نتائج الدراسة، فإن التسامح هو “المحرك النهائي” للتغيير الاقتصادي، إذ ارتبط التسامح تجاه “السلوكيات المنحرفة” مثل الشذوذ الجنسي والطلاق والإجهاد إيجابيًا مع زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بشكل أكثر ثباتًا واستقرارًا من قياس العلمانية بمفردها. والسبب في ذلك –حسب البحث– هو أن المعايير الاجتماعية المتغيرة سمحت لمزيد من الأشخاص، خصوصًا النساء، بالانضمام إلى القوى العاملة والمساهمة في النشاط الاقتصادي.
ووفقًا لتحليل نتائج الدراسة، أدى التسامح إلى الابتعاد عن التديّن المفرط في بعض الدول، إذ حلت البرامج الحكومية العلمانية محلّ المؤسسات الدينية، باعتبارها المصدر الرئيس لتوفير الرعاية والموارد والتعليم لأفراد المجتمع. وتشير الدراسة كذلك إلى أن ازدياد العلمانية في الجامعات –وسط حضور مزيد من النساء والأقليات– أدى إلى مواطنة أكثر إنتاجية وثقافة، وهو عامل آخر من عوامل التنمية الاقتصادية.
انخفاض نسبة التديّن عالميًا
برغم ارتفاعه نسبيًا بين كبار السنّ، إلا أن الأبحاث المختلفة تؤكد أن التدين ينخفض مع تقدم السنّ. ومن اللافت للانتباه أن فئة الشباب في مختلف دول العالم هي الأقل انتسابًا للأديان بشكل عام، خصوصًا في الولايات المتحدة، إذ أن 38% من الشباب الأمريكيين غير منتسبين، وهذا ما كشفت عنه دراسة عام 2017، أجراها معهد بحوث الديانات الأمريكي. وحسب أبحاث أخرى، فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا هم أقل أداءً للشعائر الدينية، بما في ذلك الصلاة، وهو ما أشار إليه مركز بيو للأبحاث.
وحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك مايكل هوت، فإن إيمان جيل الألفية بالمؤسسات الدينية آخذ في الانخفاض بشكل عام، وهم أقل ثقة في قيادات دور العبادة، نظرًا لفسادها التاريخي. وقال هوت: “لم ينشأ جيل الألفية على الثقة بهذه المؤسسات، ولو فعلوا ذلك، لوجدوا أنها تخون ثقتهم، تمامًا مثلما حصل مع الجيل الأكبر سنًا. هكذا مؤسسات خذلت الناس خصوصًا فئة الشباب”.
وما ينبغي التأكيد عليه هو أن “الابتعاد عن التديّن لا يعني بالضرورة الافتقار إلى الروحانيات؛ فالعديد من الشباب غير المنتسبين لمجموعات دينية لا يزالون يؤمنون بالله والسماء”، وهو ما شدد عليه هوت. ووفقًا له، “هؤلاء يمارسون شيئًا من الدين بما يتفق مع معتقداتهم، ويتجاهلون ما لا يتناسب مع قناعاتهم”. وأضاف: “يعتقد البعض أن من لا ينتسب إلى جماعة دينية منظمة يرفض الدين كليًا، ولكن الحقيقة هي أن الممارسات الروحانية لا تزال تجذب من لا يذهب إلى دور العبادة؛ فبعض الناس يجدون الله في الغابة، وليس في الكنيسة”.
المصدر: مجلة نيوز ويك الأمريكية