رغم كل العنف الذي مارسته إسرائيل على الفلسطينيين، فشلت في تحقيق أهدافها السياسية.
بقلم توني كارون ودانييل ليفي
قد يبدو من السخافة الإشارة إلى أن مجموعة من القوات المسلحة غير النظامية، التي يبلغ عددها بضع عشرات الآلاف، والمحاصرة، والتي لا تملك سوى القليل من القدرة على الوصول إلى الأسلحة المتقدمة التتي تملكها إسرائيل، والتي يعرف كل العام أنها بمثابة ند لواحدة من أقوى الجيوش في العالم، التي تدعمها وتسلحها الولايات المتحدة.
ليس من الواضح ما الآتي بعد ذلك، لكن لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق.
أدى الهجوم المفاجئ إلى تحييد المنشآت العسكرية الإسرائيلية، وكسر بوابات أكبر سجن مفتوح في العالم، وتسبب بهياج مروع قتل فيه نحو 1200 إسرائيلي، 845 منهم على الأقل من المدنيين.
إن السهولة الصادمة التي اخترقت بها حماس الخطوط الإسرائيلية حول قطاع غزة (غلاف غزة ذكّرت الكثيرين بهجوم تيت عام 1968 {فيتنام}. ليس حرفياً، فهناك اختلافات شاسعة بين حرب التدخل الأمريكية في أرض بعيدة والحرب الإسرائيلية للدفاع عن احتلالها في الداخل، والتي يشنها جيش من المواطنين مدفوعاً بإحساس بالخطر الوجودي. وبدلا من ذلك، فإن فائدة هذا القياس تكمن في المنطق السياسي الذي يشكل هجوم المتمردين.
المسألة الحالية
في عام 1968، خسر الثوار الفيتناميون المعركة، وضحوا بالكثير من البنية التحتية السياسية والعسكرية السرية التي بنوها بصبر على مدار سنوات. ورغم ذلك، كان هجوم تيت، لحظة أساسية في هزيمتهم للولايات المتحدة – وإن كان ذلك بتكلفة باهظة من أرواح الفيتناميين. ومن خلال شن هجمات دراماتيكية رفيعة المستوى في وقت واحد على أكثر من 100 هدف في جميع أنحاء البلاد وفي يوم واحد، حطمت العصابات الفيتنامية المسلحة بأسلحة خفيفة وهم النجاح الذي روجت له إدارة جونسون للشعب الأمريكي. وأوضحت للأميركيين أن الحرب التي طُلب منهم التضحية بعشرات الآلاف من أبنائهم من أجلها لا يمكن الفوز بها.
قامت القيادة الفيتنامية بقياس تأثير أعمالها العسكرية من خلال آثارها السياسية وليس من خلال التدابير العسكرية التقليدية مثل خسارة الرجال والعتاد أو اكتساب الأراضي. ومن هنا جاء رثاء هنري كيسنجر عام 1969 ليقول: «لقد خضنا حرباً عسكرية، أما خصومنا فخاضوا معركة سياسية. سعينا للاستنزاف الجسدي. فكان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا نفسيًا. وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز في كل الأحوال ولا تخسر. والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر”.
هذا المنطق جعل جون ألترمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية غير الحمائمي تمامًا في واشنطن العاصمة، يرى أن إسرائيل معرضة لخطر كبير بالخسارة أمام حماس:
إن مفهوم حماس للنصر العسكري.. يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد.
حماس لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل.
في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها بغضب، وتساعد في انهيار حكومة السلطة الفلسطينية، من خلال ضمان أن ينظر الفلسطينيون إليها على أنها ملحق ضعيف للسلطة العسكرية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن عدم اكتراثها لتجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أمريكي حول إسرائيل، ما يؤدي إلى تدمير الدعم الحزبي الذي تتمتع به إسرائيل هنا في اميركا منذ أوائل السبعينيات.
وكتب ألترمان إن حماس تسعى إلى “استخدام قوة إسرائيل العظمى لتهزم بها عنجهية إسرائيل. إن قوة إسرائيل تسمح لها بقتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس. كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية، أي تمنح حماس انتصارات لا تراها اسرائيل أو لا تريد أن تراها”.
لقد تم تجاهل مثل هذه التحذيرات من قبل إدارة بايدن والقادة الغربيين، الذين تعود جذور احتضانهم غير المشروط لحرب إسرائيل إلى الوهم القائل بأن إسرائيل كانت مجرد دولة غربية أخرى تمارس أعمالها بسلام قبل أن تتعرض لهجوم غير مبرر في 7 أكتوبر – إنه خيال مريح. لأولئك الذين يفضلون تجنب الاعتراف بالواقع الذي شاركوا في خلقه.
انسوا “الإخفاقات الاستخباراتية”؛ كان فشل إسرائيل في توقع السابع من أكتوبر بمثابة فشل سياسي في فهم عواقب نظام القمع العنيف الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية الرائدة بالفصل العنصري.
قبل عشرين عاما، حذر رئيس الكنيست السابق أفروم بورغ من حتمية ردود الفعل العنيفة.
“اتضح أن النضال الذي دام ألفي عام من أجل بقاء اليهود، يعود إلى حالة المستوطنات، التي تديرها زمرة غير أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين لا يسمعون صوت مواطنيهم وأعدائهم على حد سواء. وكتب في صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون: “لا يمكن لدولة تفتقر إلى العدالة أن تستمر”.
وحتى لو خفض العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وغضبهم إلى الأبد، فلن ينجح الأمر.
إن البنية المبنية على القسوة البشرية سوف تنهار حتماً على نفسها.. ولا ينبغي لإسرائيل، التي توقفت عن الاهتمام بالأطفال الفلسطينيين، أن تتفاجأ عندما يأتي هؤلاء مغسولين بالكراهية، ويفجرون أنفسهم في مراكز الهروب الإسرائيلية.
وحذر بورغ من أن إسرائيل قد تقتل ألفاً من رجال حماس يومياً دون أن تحل شيئاً، لأن أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل ستكون مصدراً لتجديد صفوفها.
وللأسف تجاهل الصهاينة تحذيراته، حتى بعد أن تم تبريرها عدة مرات. وهذا المنطق نفسه يطبق الآن على كل الاعمال التدميرية التي تلحق بغزة. إن العنف الهيكلي الطاحن الذي توقعت إسرائيل أن يعاني منه الفلسطينيون بصمت يعني أن الأمن الإسرائيلي كان دائما واهمًا.
الأسابيع التي تلت 7 تشرين الأول/أكتوبر أكدت أنه لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل. وكان هذا على الأرجح هدف حماس من شن هجماتها القاتلة. وحتى قبل ذلك، كان كثيرون في القيادة الإسرائيلية يدعون علناً إلى استكمال النكبة، أي التطهير العرقي لفلسطين، والآن تم تضخيم تلك الأصوات.
وشهدت الهدنة الإنسانية المتفق عليها بين الطرفين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني إطلاق حماس سراح بعض الرهائن مقابل إطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية وزيادة الإمدادات الإنسانية التي تدخل غزة. وعندما استأنفت إسرائيل هجومها العسكري وعادت حماس إلى إطلاق الصواريخ، كان من الواضح أن حماس لم تُهزم عسكرياً.
إن المذبحة والدمار الشاملين اللذين أحدثتهما إسرائيل في غزة يشيران إلى نية لجعل المنطقة غير صالحة للسكن بالنسبة لـ 2.2 مليون فلسطيني يعيشون هناك، والضغط من أجل الطرد عبر كارثة إنسانية مدبرة عسكرياً. والحقيقة أن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه قضى حتى الآن على أقل من 15% من القوة القتالية التابعة لحماس. وذلك في حملة أسفرت عن مقتل أكثر من 21 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، منهم 8600 طفل.
بقلم توني كارون ودانييل ليفيبقلم توني كارون ودانييل ليفي