أنا العاشق في تحدي الآخرين لإثبات بعض نظرياتي، وفي تحدي نفسي بهدف إنكارها للاقتناع بها أكثر، أعلن نجاحي مرة أخرى في توثيق الآتي:
قصي_خولي أعظم ممثل في الشرق العربي.
إقرأ: قصي خولي ٢٠٢٠ ابن حرام يجبرنا على عشقه ويا عفو الله!
هذه نظريّة أتحمّلها وحدي، وربما بعض رفاقي في الجرس الذين يعشقون قصي أيضًا، لكنّ لكلّ منا مخزون وافر من الآراء الحرّة.
لا أهوى المقارنات، خُلقنا كلّنا من طين واحد، لكنّ الطينة تختلف.
قصي يخرج عن هذه القاعدة الفلسفيّة، نعم أقارنه، لأجد الأفضل، لكنّني أعجز.
والآن أعترف بعجزي الكامل عن نظريةٍ لن أتخلّى عنها.
في (عشرين عشرين)، تموت (الحاجة ضحى) التي تلعبها الممثلة اللبنانية القديرة رندة كعدي، سيّدة الأداء التمثيليّ اللبناني، الغارقة في بحر الإبداع، والتي بها نفتخر.
ابنها قصي خولي (صافي)، يتمرّس تجارة المخدرات، لكنّ تجارته الإنسانيّة المفضّلة: الحبّ.
صافي يحبّ، بل يتيّم، رغم وقاحة ما يفعل، لخلفيّات ما يسمح لنا مجتمعنا بمناقشتها ولا الوصول تدرجًا إلى جذورها لاقتلاعها، مكتفيًا بتقطيع الأوراق الذابلة، بسذاجةٍ مهرج يخسر كلّ شيء بغباءٍ ورثه ويصرّ على توريثه.
لا يحبّ امرأة، بل أناسًا، حبٌ لا يريحه الذنبُ الذي يلاحق الضمير، العذاب في صميمه، تناقض ما بين الشعور والآخر، العمل عكس الغاية، من زرع حصد، لكنّه كارهٌ لهذه الزراعة، الحصد وحده من يساعده على مساندة من حرمته الدولة الفاسدة من امتلاك الأراضي والمنازل والأموال، والأهم راحة البال.
الإسقاط الدراميّ عند قصي أشبه بالخلق، لا يسقط الشخصيّة إنما يخلقها، يخلق كيانًا كاملًا، كلّه يُخلق، وحده الجسد يستخدمه، لكنّ بمزاج الدراما لا مزاجه.
كلّ القوام عنده تتغير، الداخل يُنفض والخارج مُختلف.
ميزة قصي لا بما يرتديه بل بكيفيّة الارتداء، اللباس الشعبي لصافي خاصيّة دراميّة، لكنّ خاصيّة قصي بكيفية التعامل مع هندامه، كيف يحرّك القميص، كيف يسير بثيابه، كيف يستخدم مكبرات نظر موهبته، للوصول لأدنى التفاصيل المرئية.
(السيجارة) يحملها كالشعبيين، يدخّن كما يفعل معلّمو الأزقة، يسير كما أهم رجال الأحياء، وأكثرهم ثقةً بمكانتهم.
النبرة يتلاعب بها، الحدّة في الصوت في المواجهات، ثمّ طراوة الخامة عندما يخاطب الحبيبة (حياة -_نادين_نجيم).
إلى الضمير الذي يعذّب، فعودة إلى وفاة الوالدة.
الصدمة التي واجهت (صافي) على ورق السيناريو، حوّلها قصي إلى أشدّ صدمات العمر، صدمة شاركناه إياها، نقل ذبذباتها الحسيّة، ونحنُ نشاهده يقيّدنا بإبهار أدائه، يمنعنا تمامًا من التحرّك، من تذكّر جهاز التحكم، من رغبة الاستماع لمن يجلس جانبنا أو التحدّث معه.
نحن معه في المشهد، نريد مواساته، نحن واقفون موجودون، لكنّنا غير ظاهرين، عاجزين، مقيّدين.
وقعنا في عالم الشخصيّة، نبكي (صافي)، نتعاطف، نصرخ لنقول له: (نعرف جرمك لكنّنا لا نجرّمك).
قصي علّمنا أن نحبّ صافي، أن نحبّ المذنب، أن نوقف سياسات الأحكام المُسبقة.
هذه رسالة، كتبها الكاتبان اللبنانية نادين جابر والسوري بلال شحادات، لكنّ الرسالة بحاجةٍ لخطٍ جميل يُقرأ، وساعٍ يعرف كيف يوصلها، وخط سير سلسٍ يصل دون معوقات.
قصي ممثل يصهر مبادئ المهنة بشخصه.
يؤمن بما يقدّم.
لذا شعرنا الحدود بيننا تلاشت، قصي_خولي محى أمس إطارات الشاشات.
وسط كلّ الدموع، ابتسمتُ عند مشاهدته، فنظريّتي أُثبتتْ مُجددًا:
(نعم وبكلّ ثقةٍ قصي خولي أفضل ممثل عربي).
عبدالله بعلبكي – بيروت