منذ ١٦ عامًا لعبت الممثلة السورية كاريس بشار شخصية (مريم البيطار) بمسلسل (مخالب الياسمين)، وتفوقت وقتها بأدائها الرائع، وأظهرت قدرتها على الغوص بتفاصيل الشخصية وخلفياتها وأبعادها، بين رغبة الانسان في السيطرة على الآخرين، وتحويلهم إلى أدوات خاضغة لقراراته، وبين رغبته بعدم خسارتهم وإسعادهم بالطريقة التي يراها مناسبةً.
القصة الرائعة، التي كتبها السيناريست خيرت الذهبي، أظهرت حقيقة الإنسان الذي يلهث راكضًا خلف أطماعه، ويحارب دون رحمة بهدف أن يُنصب ملكًاعلى الكل، والصورة الاخراجية الممتعة ليوسف رزق، حولت النص لمشاهد رائعة حبست الأنفاس، وأخرجت من الممثلين أفضل ما لديهم من أداء.
كاريس قصت شعرها آنذاك، وتمردت ولعبت دورها باتقانٍ وجعلت المشاهدين يتناسون ملامحها الطفولية البريئة، لتصدر أقسى وأكثر التعابير برودةً، ولتتلاعب بلغة جسدها ونبرتها كممثلة عالمية محترفة لا يخيفها نص معقد ولا دور مركب، ومن وقتها وأنا أقول تلك ملكة الدراما السورية دون منازع.
ما يميزها ابتعادها عن النمطية، تبحث في أرشيفها وتلحظ الكم الهائل من الشخصيات المختلفة والمتناقضة التي أتقنت أداءهم، برعت بأدوار الشر ولعبت الكوميديا بعفويةٍ أحبها المتابعون، قدمت التراجيديا وأبكتهم، وتنقلت بين عدة عصور ومجتمعات، من البيئة الشامية (أهل الراية) و(ليالي الصالحية)، إلى التحرر المطلق والألفاظ الجريئة (قلم حمرة)، ولعل دور (سراب) الحالي بمسلسل (مسافة أمان) يوصلها إلى قمة نضوجها ونجوميتها.
الأستاذ ليث الحجو أخرج (مسافة أمان) بإحترافٍ وبحجم اسمه، ونقل عالمًا مختصرًا ومصغرًا عن واقع المواطن السوري المشتت أثناء الحرب المدمرة وبعدها عبر عدسته، وجمع بينها وبين وأمهر الممثلين والممثلات السوريين، وجعلهم يصدرون كل طاقاتهم ويتفاعلون مع الأحداث المتصاعدة بتعابيرهم وانفعالاتهم العميقة.
أقنعتنا الأستاذة كاريس بخوفها الدائم وعدم ثقتها بالآخرين وضياعها في علاقاتها الانسانية والعاطفية، وبحثها المستمر عن مسافة أمان تخلق من رحم الفوضى التي سببتها الحرب لثمان سنوات في سوريا، تمثل بصوتها وتنهيداتها ونظراتها وحركات يديها وطريقة مشيها، وكأنها تناولت ورق السيناريو الرائع لايمان سعيد كوجبة شغف ولم تشبع.
الممثل الناجح من يعشق مهنته ويعاملها كحبيبة خيالية تعيش بأحلامه، وهكذا هي كاريس التي تمتعنا وتبارز الممثلات العالميات بأدائها، ولشريكتها الجميلة سلافة معمار كلام آخر لن تكفيه سطور هذه المقالة.
عبدالله بعلبكي – بيروت