أشتُهرت كارين رزق الله بثنائيتها مع فادي شربل (مرتي وأنا) لمدة خمسة عشر عامًا، وكانت أصبحت مقيدة بصورة نمطية وضعها المنتجون بها: المرأة النكدية التي تخاصم زوجها بجو كوميدي ساخر.
حاولت التحرر وخلع ثوبها، لأنها أكاديمية ودرست التمثيل في الجامعة، وتعي أن الممثل لا يُكبل بشخصية واحدة، وعليه أن يلعب جميع الأدوار، ويفاجئ المشاهدين والنقاد كلّ مرة بأداء مختلف، وإلا فليجلس في البيت!
لأنها أستاذة وغير متطفلة، حاربت لتصبح ممثلة جيّدة وتثبت إنها لم تمتهن التمثيل لكي تلعب دورًا واحدًا فقط فيمل منها المتابع، وخاضت حربًا شرشة مع المنتجين الذين لم يعطوها فرصة سهلةً، وخافوا أن يغامروا معها بعملٍ جديد لن يتقبله المشاهدون حسب رأيهم آنذاك، لأنهم اعتادوا أن يروا كارين النكدية ويسمعوا جملتها التي تصرخ بها بوجه زوجها (أنا كارين رزق الله)، وغيرها.
كارين ملت من مشاهدها المكررة ضمن سلسلة (مرتي وأنا)، وتمردت بعد سنوات لأنها لم تدرس مهنتها لكي تأتي وتقدم مشهدًا خفيفًا لساعة أو اثنتين وترحل، وأرادت أن تتعب وتجتهد وتثابر وتكتب نصوصًا هادفة، وتمثل أصعب الأدوار.
لم تتراجع رغم محاولتهم احباط معنوياتها، عنيدة كارين، لم تدعهم يقتلون رغبتها، الدراما اللبنانية قبلها كانت بيد كتاب مقاولين يستنسخون الأعمال التركية والمكسيكية ويقدمون أعمال فارغة، لا تحتوي على رسائل قيّمة ولا تمثل هم المواطن وأزماته الكبرى التي يعيشها بوطنٍ منكوب، لذا أرادت أن تغير خارطة الطريق، وكتبت (قلبي دق) وأصرت أن تلعب بطولته، ونجحت واحتلت الصدارة، وقدّمت عملًا يمثل جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، وتابعت مسيرتها وكسبت الثقة ورفعت مستوى الدراما الوطنية، وطرحت مسلسلات حطمت الأرقام القياسية وتناولت مواضيع شائكة لم يجرؤ أحد سواها على طرحها، مثل: (مش أنا) الذي ناقشت به اعتداء الزوج على زوجته جنسيًا والظلم الذي يتعرض له أصحاب الأملاك القديمة، (لآخر نفس) الجدلي الذي تحدثت به عن الروتين الذي يصيب العلاقة الزوجية وعن حقوق الفلسطينيين في لبنان، (ومشيت) ووجهت به تحية للمؤسسة العسكرية، و(انتي مين) الذي تناول أدبيات الحرب الأهلية اللبنانية، ويراه البعض أهم عمل لبناني قُدّم على الشاشة منذ سنوات بعيدة.
رغم نجاحاتها الكبرى ومستوى أعمالها الرفيع، لم تظهر بلقاءات على حجم اسمها والنقلة النوعية التي أحدثتها بمسيرتها وبخط الدراما التلفزيونية في لبنان، ولم تجد من استطاع محاورتها واخراج كل ما بداخلها، والاضاءة على ما كوّن شخصيتها، وما جعلها تكتب بزخمٍ ومسؤولية تجاه المشاهدين، لأن الكاتب الناجح غير المستنسخ لا يكتب إلا ما يشعر به، وليس آلة طباعة تتاجر وتجمع الأموال.
منذ سنتين تقريبًا، استقبلت رئيسة التحرير نضال الأحمدية والزميلة سارة العسراوي بطلة (انتي مين) بمكتبنا في بيروت، وأجرتا معها لقاءً ثقيلًا وعلى مستوى رفيع، كشف جوانب عدّة من شخصيتها، وطرحت عبره العديد من الآراء الجريئة حول مواضيع متعلقة بالزواج المدني وطبيعة المجتمع الشرقي الذكوري، وتقاسم الإرث بين الرجل والمرأة، ونظرتها للرجل المثالي، وغيرها العديد من القضايا التي لم تتحدث بهم كارين يومًا على الشاشة.
إقرأ: خاص: كارين رزق الله: أنا لست إمرأة ولا رجلًا والدراما اللبنانية دون هوية – بالفيديو
جمهورها الذي دعمها طيلة رمضان، نشر فيديو صغيرًا من لقاءنا السابق معها، تحدثت خلاله عن وجعها، بسبب يتمها، ورأيناها لأول مرة مرتبكة، تبكي وتطلب من الزميلة الأحمدية أن تغير الموضوع، وأثنى محبوها عليه رغم مرور سنتين على عرضه، لأن لا أحد غيرنا استطاع بعدنا، أن يري الناس هذا الجانب الإنساني العميق، وطالب المتابعون بلقاء آخر مماثل، ووجهوا تحية للزميلة الأحمدية على قدرتها في استنباط الأسرار من قلوب النجوم وكتبوا: (ما حدا قدر بلقاء يبين كارين رزق الله، غير نضال الأحمدية، بلقاء عفوي و لدقائق، كارين تظهر قوية، وتظهر الاجتهاد، وخدعتنا بشخصية قوية و كوميدية لمدة طويلة في بدايتها، وما منعرف عن وجعها و مشاكلها الشخصية، وما منعرف اذا بتبكي على مخدتها بصمت. يا ريت حدا يعمل معها لقاء حقيقي).
نعد جمهور كارين بلقاء قريب جدًا معها، ونتمنى من الزملاء أن يتعلّموا منا ويرتقوا بمستوى حواراتهم مع المشاهير، لأن ثمة مشاهد مثقف يراقب من بعيد ويقيّم ولا يهوى المقابلات السخيفة التي لا تقدّم مضمونًا جيّدًا، وعلينا جميعًا أن نحترمه ونحترم فكره وعقله.
عبدالله بعلبكي – بيروت