يواصل مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) تصحيحه الهبوطي اليوم الأربعاء بعد أن تجاوز مستوى 110.00 للمرة الأولى منذ عامين، ليقترب من مستويات 109.10 وسط ترقب الأسواق لصدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في الولايات المتحدة لشهر ديسمبر. ومن وجهة نظري التصحيح الحالي يعكس تغيراً واضحاً في معنويات السوق بعد أن جاءت بيانات مؤشر أسعار المنتجين (PPI) أضعف من المتوقع، مما دفع المتداولين إلى مراجعة توقعاتهم بشأن التضخم، وبالتالي السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في عام 2025. ومع اقتراب صدور بيانات التضخم اليوم، فإن التحركات المستقبلية للدولار ستعتمد بشكل كبير على مدى توافق تلك البيانات مع التوقعات، أو خروجها عن النطاق المتوقع.
اقرأ: توقعات الاحتياطي الفيدرالي تعزز الدولار – تحليل خاص
ومن رأيي، يبقى مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الحدث الأكثر أهمية في التقويم الاقتصادي الأميركي هذا الأسبوع. وبيانات التضخم المتوقعة تتراوح بين 0.2% و0.5% على المستوى الشهري، بينما تتراوح القراءة الأساسية بين 0.2% و0.3%. وهذا النطاق الضيق للتوقعات يعكس حالة من عدم اليقين، مما يعني أن أي رقم خارج هذا الإطار قد يؤدي إلى تحركات قوية في الأسواق. والقراءة أقل من 0.2% ستكون بمثابة صدمة للأسواق، وستدفع الدولار إلى الهبوط الحاد، بينما أي قراءة أعلى من 0.3% قد تدعم الدولار وتعيده إلى مسار الصعود، حيث سيُنظر إلى ذلك كإشارة على استمرار الضغوط التضخمية.
اقرأ: الدولار يستقر – تحليل خاص
لكن ما يثير القلق بالنسبة لي هو أن الأسواق أصبحت أكثر حساسية تجاه البيانات الاقتصادية مع اقتراب موعد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه. فالصمت السياسي الذي يحيط بخطط ترامب الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية والسياسات التجارية، يضيف المزيد من الضبابية إلى المشهد الاقتصادي. فعدم وضوح الرؤية بشأن السياسات المالية والاقتصادية القادمة يزيد من صعوبة تقييم المسار المستقبلي للاقتصاد الأميركي، ويجعل الأسواق تعتمد بشكل مفرط على البيانات الاقتصادية قصيرة الأجل مثل مؤشر أسعار المستهلك.
اقرأ: جاذبية الدولار تتحدى تحركات السوق – تحليل خاص
ومن ناحية أخرى، لا يمكنني تجاهل تأثير عائدات السندات الأميركية على حركة الدولار. فالعائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات تراجع بشكل كبير من أعلى مستوى له في 14 شهراً، ليصل إلى 4.774% مقارنة بـ 4.802% في بداية الأسبوع. وهذا التراجع برأيي يشير إلى أن المستثمرين بدأوا يأخذون في الحسبان احتمالية تباطؤ التضخم، وبالتالي إمكانية تخفيف الاحتياطي الفيدرالي لوتيرة رفع الفائدة أو حتى بدء دورة خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر من عام 2025. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو معتمداً بشكل كبير على نتائج مؤشر أسعار المستهلك، الذي سيكون بمثابة اختبار حاسم لتوقعات التضخم.
كما أن الأحداث المقررة اليوم، والتي تشمل كلمات من عدة رؤساء لبنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية، قد تلعب دوراً داعماً في تشكيل توقعات السوق. ولكن من وجهة نظري، سيبقى تركيز المستثمرين منصباً على بيانات مؤشر أسعار المستهلك التي ستصدر ايوم اأربعاء. فالأسواق تترقب هذه البيانات بفارغ الصبر، حيث ستحدد إلى حد كبير مسار الدولار في الفترة القادمة. وأي إشارات على استمرار تراجع التضخم قد تؤدي إلى تراجع التوقعات برفع أسعار الفائدة، وبالتالي ضغط إضافي على الدولار.
اقرأ: الجنيه الإسترليني/الدولار: مكاسب واعدة أم ارتفاع مؤقت؟ – تحليل خاص
ومن الجدير بالذكر أن الأسواق تتوقع أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع يناير، بنسبة 97.3%. لكن هذه التوقعات قد تتغير بسرعة إذا جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلك أعلى أو أقل من المتوقع. وبمعنى آخر، فإن أي مفاجأة في بيانات التضخم قد تدفع الأسواق إلى إعادة تقييم موقف الاحتياطي الفيدرالي من السياسة النقدية، مما سيؤثر بدوره على حركة الدولار.
وأرى بناء عليه، أن مؤشر الدولار الأمريكي يواجه ضغوطاً متعددة من الجانبين الاقتصادي والسياسي. فمن الناحية الاقتصادية، هناك بوادر على تباطؤ التضخم، وهو ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيف سياسته النقدية المتشددة. ولكن في الوقت نفسه، هناك حالة من عدم اليقين السياسي، مع صمت إدارة ترامب المستقبلية بشأن سياساتها الاقتصادية. وهذا المزيج من العوامل يجعل الدولار عرضة لتقلبات كبيرة في الفترة القادمة، خاصة مع استمرار اعتماد الأسواق على البيانات الاقتصادية قصيرة الأجل لاتخاذ قراراتها.
اقرأ: الدولار يتراجع عقب تعيين سكوت بيسنت – خاص
فعلى المدى القصير، أعتقد أن مؤشر الدولار قد يواصل تراجعه إذا جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلك أقل من المتوقع، حيث سيُنظر إلى ذلك كدليل إضافي على تراجع الضغوط التضخمية. وفي المقابل، إذا جاءت البيانات أعلى من التوقعات، فقد نشهد انتعاشاً سريعاً للدولار، حيث ستعزز تلك البيانات التوقعات باستمرار الاحتياطي الفيدرالي في سياسته النقدية الحالية لفترة أطول. لذلك، أرى أن المستثمرين يجب أن يتحلوا بالحذر الشديد في تداولاتهم خلال هذه الفترة، وأن يراقبوا عن كثب نتائج البيانات الاقتصادية القادمة.
تحليل: رانيا جول