الحلقة الأولى من مسلسل (٢٠٢٠) حظيت بأعلى نسبة من المشاهدات والتفاعلات الإلكترونيّة.
العمل توقعنا أنه سيكون جيّدًا، لكنّ النتيجة اجتازت الظنون المُسبقة.
مسلسل أُجّل عرضه لسنةٍ، بسبب انتشار فيروس_كورونا اللعين، تفوّق على مسلسلات صُوّرت منذ شهور.
هذه سابقة لم تحدث، ولن تحدث إلا إن كان العمل بقيمة ما شاهدناه أمس.
علمًا أن الحكم لا يزال مُبكرًا للغاية.
نادين_نجيم (النقيب سما)، تطلّ بشخصيّة فولاذيّة صلبة، تواجه أحد المُتهمين بالمتاجرة بفتيات قاصرات، تنظر إليه باستياءٍ عارم، تلعب دورها بمهارةٍ.
جلدها يتبدّل، لا تستخدم أدواتها الماضية، هنا لا مساحيق، لا أزياء باذخة، تعمل على المكنونات الداخلية، كيف تسير، كيف تنظر، كيف تحرّك يديها، رقبتها.. كيف تتقدم إلى الأمام والخلف أثناء جلوسها جانب المُتهم.
شخصية لا تسمح للمشاعر اختراقها أثناء عملها، لكنّها تفتح كلّ الأبواب لها عندما يقترب منها شقيقها الرائد جبران، والذي يتقمّص شخصيته البوب ستار رامي_عياش.
رامي تألق واكتسح وحصد نتائج مُبهرة، يمكنكم قراءة المزيد وبشكل موّسعٍ عن إطلالته كضيفِ شرفٍ بهذا المسلسل، عبر الرابط أدناه.
إقرأ: رامي عياش يكتسح في رمضان ويحقّق إنجازًا جديدًا!
نادين فاجأتنا بأدائها الاستثنائي العفويّ الرائع، وأعترف أنّها سجّلت نقطة ضدي، لا لعدم ثقتي بقدراتها التمثيلية، بل لعدم توقعي أن تجيد لعب شخصية جامدة وانفعاليّة في آنٍ معًا، بكلّ هذيْن الإتقانٍ والحرفيّة.
رائعة نادين التي تثبت يومًا بعد يوم أنّها الأكثر قدرةً على اختراق الأسواق العربية، فتفاعل المصريين والخليجيين معها أمس عبر (السوشيال ميديا) أكبر برهان عمّا نقوله.
إقرأ: نادين نجيم اللبنانية الوحيدة التي تبيع ولهذا نفتخر بها!
قصي_خولي البطل الذي يلعب شخصية (صافي)، تاجر المخدرات، قائد العصابة التي تعيش وسط الأزقّة، يلاحقه رامي (جبران) ليكشف أفعاله غير الشرعية.
المواجهة ستؤدي حتمًا لاستشهاد (جبران)، فسعي نادين (سما) للانتقام من (صافي)، قبل أن يفاجئها الحبّ فتقع به.
حبٌّ نتوقعه لأنّ (صافي) على عكس زيّه الخارجي الإجرامي، يتمتع بقلبٍ طيّب أكثر شفافيةً من معظم مدعّي البراءة في أوطاننا.
يقول قصي بآخر لقاء أجراه مع قناة (أم تي في): (هناك أسئلة وجودية نُمنع من طرحها في الشرق العربي، تكشف الكثير عن خبابا شخصية صافي).
أي ما الذي يدفعه لارتكاب سلوكيات غير شرعيّة، ما الأسباب التي جعلته يسلك طريقًا يعاكس مضمونه الإنسانيّ الصافي..
نحنُ نعرف المجرم من هندامِه، نكتفي بالنظرة الأولى، نجلده ونحاكمه، ولا نتعب أنفسنا بالبحث عن أسباب فعلته، وما يؤدي لمزيد من الأفعال المُشابهة على أيادي آخرين.
(صافي) يساعد أطفال حيّه، يهتم بكباره، يرسل والدته (كندة كعدي) لممارسة طقوس الحج، يصلي في الجامع ويدعو الله الغفران.
أي أنّه الأكثر صفاءً كما اسمه، من كلّ حاكمٍ جائر فاسد ورجل دين متخاذل وقائد اجتماعي انتهازي.
قصي لا كلام يوفيه ما يستحق، يرتقي لكبار فناني الشرق.
كلّ شخصية يلعبها بأدوات حديثة، لا يكرّر نفسه.
كلّ هذا يرهقه، إسقاط شخصية افتراضية بالكامل على شخصيته، مَهمّة ليست سهلة: التحكّم بالنبرة، أسلوب السير، حركة الكتفيْن واليديْن، النظرات.
قصي يخلق إنسانًا آخر مستخدمًا جسده، تكوينٌ يشرف عليه مبدع من طينتِه، أعظم الشهادات بحقه قليلة.
القديرة كارمن_لبس تلعب شخصية (رسمية) الشعبيّة، تتخلّى عن المساحيق، لباسها يشبه المحيط التي تسكنه.
لا تكتفي بعرض الشخصيّة من الخارج، تغوصها حتّى آخر معاقلها، وتقدّمها بكافة صفاتها.
تنتصر دائمًا لكيان الممثلة وشغفها غير المنقطع، فتزداد قدارةً وإبداعًا وتألقًا.
الكاتبان نادين جابر وبلال شحادات أتمّا مهمتهما وقدّما قصة من واقعٍ لبناني نعيشه.
ما يُحسب لـ (2020) دخوله الأحياء الشعبية بعيدًا عن استعراض الأملاك الباذخة، وقصته الواقعية من عمق الأزقّة، والتي تشبهنا بكلّ التفاصيل: من الأناشيد الدينيّة، لأجواء التآلف بين السكان، مرورًا بالمحبة الفائضة التي تجمع أفراد الحيّ.
أما عدسة فيليب أسمر فلا يُملّ بتاتًا من الإشادة بها، إنّه أعظم مخرجي الوطن، وأكثر مبدعيه تفنّنًا بعمله.
الشاب الأكثر توهّجًا بين رفاقه، يبدع التصوير وكأنّه يرسم المشاهد، يتنقل بين (الكادرات) واللقطات المتنوعة، يضيء على معالم الحيّ الشعبي بتقنياتٍ عالية، ويعرض لنا الوجوه (Close Up)، لنراقب انفعالاتهم بدقةٍ.
جودته الإخراجيّة فائقة الأوصاف، أما الجودة الإنتاجيّة للصباح أخوان، فلا غبار عليها.
عبدالله بعلبكي – بيروت