أشدنا سابقًا بأداء الثلاثي باسم مغنية، ورد الخال، وداليدا خليل الموفق بمسلسل (أسود)، وبالحالة البصرية الجميلة التي يقدمها المخرج اللبناني سمير حبشي.
العمل تراجع بشكل مدوٍ، رغم انطلاقته القوية، الأحداث غير المنطقية أصابته بالشلل، والمعالجة الدرامية السيئة جعلته يعجز عن منافسة المسلسلات اللبنانية الأخرى، التي ارتكزت على قصص واقعية ومنطقية وقريبة أكثر من مجتمعنا اللبناني.
باسم يلعب دور (أسود) جيدًا، لكنه لا يحلق بالأداء كما فعل بـ (ثورة الفلاحين)، آنذاك أدهش النقاد والمتابعين بشخصية (رامح)، ما جعله ينال جائزة أفضل ممثل لبناني وباستحقاق.
عولنا عليه كثيرًا بعد (برومو) شركة الانتاج (ايفل فيلم) للسيد جمال سنان، الذي حاول افهامنا إنه البطل المحوري الذي سيفاجئ الكل، وسيتصدر المنافسة أمام عمار شلق، الذي يلعب دورًا قيمًا في مسلسل الأستاذة كارين رزق الله (انتي مين)، لكنه ظهر عاديًا، لم يفشل ولم يبهر أيضًا، وكأنه أتى ليؤدي مهمته بمواقع التصوير ثم يغادر، شغفه كان قليلًا ولم نشعر بقوة باسم المحترف أمام الكاميرا كما اعتدنا عليه دائمًا.
الرسالة مؤثرة، تتحرش جنسيًا ورد بأسود عندما كان طفلًا، وتلعب شخصية (مارغو) الجافة بامتاعٍ، ما يخلق داخله عقدًا نفسيةً تجعله يكره الحياة والعالم ويسعى للانتقام، لكن طريقة طرحها لم تكن بالمستوى المطلوب، والتركيز كان على المشاهد الأخرى التي استعرضت حياة البذخ والقصور وثروات العائلة الأرستقراطية، (الفلاش باك) أي المشاهد التي تعرض ماضي الشخصيات لم تشرح لنا جميع التفاصيل، ولم تعرض مدى تأثير التحرش عليه بشكل مفصل، ولا ردة فعل (مارغو)، ولا الدوافع التي جعلتها ترتكب ما ارتكتبه من جريمة أخلاقية فاحشة..
كان علينا أن نتوقع أصلًا نصًا ركيكًا ومفككًا من كلوديا مارشيليان التي تكتب أربع سيناريوهات في الشهر الواحد، وتستنسخ الأعمال التركية ولا تسقطها حتى على الواقع اللبناني، لأن لا وقت لديها، فالمهنة أصبحت تجارةً عندها، و(من زمان) لم يعد ما تقدمه يُسمى فنًا، لذا يهرب منها المنتجون ويبحثون عن النص الجيد الذي لا تفقه طريقة كتابته.
ورد بالمقابل تبدع وتسحر وتتألق، تلعب شخصيتها بمشاعر معدومة وتظهر انفعالات خالية من الرحمة على ملامحها، تتلاعب بالرجال، تحرك الشخصيات كما تهوى كلاعبة شطرنج محترفة تبدل أحجار وأحصنة اللعبة، تسير بتعالٍ، لا تبكي ولا تتأثر حتى بأتعس مواقفها، ممثلة كبيرة تُظلم بهكذا عمل مشوه.
داليدا تخرج من ثوبها النمطي، تلعب دورها (كارن) كممثلة تود اثبات امكاناتها التمثيلية للنقاد، بظل الاتهامات التي راشقتها بالآونة الأخيرة عن اتكالها على جمالها، تدخل الى أعماق الشخصية وتعيشها بكل انفعالاتها، لتخطو خطوةً موفقةً مهنيًا، رغم كل العيوب التي أحاطت بالنص.
الياس الزايك يلعب دور خطيب (كارن) السابق الذي يخونها مع والدتها (مارغو)، لا يجعلنا نحدد موقفنا منه، يؤدي جيدًا ببعض المشاهد، ويخفق بأخرى، يحاول مسك الشخصية من أطرافها ولا ينجح، يصرخ ويزعجنا بمواقف الخوف كثيرًا ولا يعتمد على تعابير تخدمه أكثر، ويظهر الفارق كبيرًا بالأداء عندما يقف أمام ورد بمشهدٍ واحد، وأمام باسم وداليدا كذلك.
فيفيان انطونيوس، تلعب دور المرأة التي تعشق (أسود)، وتتخلى عن حياتها لأجله فيما يحب (كارن)، وتتألق، وتجعلنا نشعر معها بانكسارها وحبها الموجع من طرفٍ واحدٍ.
عبدالله بعلبكي – بيروت