شهد مؤشر داو جونز (US30) أمس ارتفاعًا ملحوظًا تجاوز 550 نقطة، ليعكس انتعاشًا في معنويات المستثمرين وسط تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية وتجاهل أخرى أكثر سلبية. ويتداول اليوم الجمعة عند 43988 دولار، وجاء هذا الأداء مدفوعًا بأداء قوي لقطاعات صناعية ومالية بارزة، وعودة شهية المخاطرة لدى المتداولين، في وقت بدا فيه أن الأسواق تتعامل بمرونة مع الإشارات المختلطة من الاقتصاد الأمريكي.
وبرأيي قدمت القراءة الإيجابية لتقارير البطالة والمساكن دعمًا للأسواق من خلال تحسين الصورة العامة للنمو. حيث أن طلبات إعانة البطالة الأولية سجلت 213 ألف طلب جديد فقط، وهو مستوى أقل من التوقعات البالغة 220 ألف طلب. وهذا الانخفاض يعكس استمرارية في قوة سوق العمل، مما يعزز الثقة في الاقتصاد الأمريكي، على الرغم من الضغوط التضخمية المستمرة.
اقرأ: توقعات سعر البيتكوين وسط سلسلة الارتفاعات الأخيرة
وفي الوقت ذاته، جاءت أخبار مبيعات المنازل القائمة لتدعم هذا الاتجاه الإيجابي. وارتفعت المبيعات بنسبة 3.4% خلال أكتوبر، مقارنة بانكماش سابق بنسبة -1.3%. هذا التعافي في السوق العقاري من وجهة نظري يشير إلى مرونة الطلب الاستهلاكي، رغم ارتفاع أسعار الفائدة التي شكلت ضغطًا على القطاعات العقارية في الأشهر الماضية.
كما تجاهلت اسواق الأسهم التحذيرات من قطاع التصنيع، بعد أن أظهر مسح التصنيع الفيدرالي في فيلادلفيا تراجعًا حادًا في النشاط الصناعي، حيث سجل قراءة -5.5 مقارنة بـ10.3 في الشهر السابق، وهو ما تجاوز التوقعات السلبية المسبقة. وهذه القراءة السلبية برأيي كانت بمثابة تحذير من تدهور الظروف في القطاع الصناعي، وربما إشارة إلى ضغوط أكبر قادمة من سلاسل التوريد وضعف الطلب العالمي. حيث أظهرت الأسواق تجاهلاً لافتًا لهذا التقرير السلبي، واختارت التركيز على البيانات الأكثر إيجابية مثل البطالة والمساكن.
اقرأ: كيف سيستجيب السوق لقرارات أوبك وأرقام المخزونات الأمريكية؟
ومن وجهة نظري، قد يعود هذا التجاهل إلى تفاؤل المستثمرين بقدرة السياسة النقدية الحالية على احتواء التباطؤ، بالإضافة إلى اعتماد الأسواق على قوة الأداء في قطاعات أخرى لتعويض التراجع الصناعي.
وبرأيي كانت الدوافع القطاعية وراء صعود داو جونز، فأحد العوامل الحاسمة وراء انتعاشه يوم أمس الخميس كان الأداء القوي لشركات رئيسية ضمن قطاعي الصناعة والمالية. فسهم Salesforce على سبيل المثال، سجل ارتفاعًا بنحو 5% وسط رفع توقعات المحللين لنتائج الشركة المستقبلية. وهذا التفاؤل يعكس قوة الطلب على الحلول التكنولوجية والتحول الرقمي المستمر، مما يعزز مكانة شركات البرمجيات الكبرى كلاعبين أساسيين في الاقتصاد الجديد.
ومن جهة أخرى، سهم Nvidia شهد يومًا متقلبًا مع تسجيل مستويات قياسية جديدة قبل أن يتراجع مجددًا. وهذه التقلبات برأيي تشير إلى انقسام في توقعات المستثمرين حول مستقبل قطاع التكنولوجيا، خاصةً في ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة وتأثيرها على سلاسل التوريد.
اقرأ: ماجدة الرومي: جيت على الامارات ومعي سلاح
ومن وجهة النظر الأوسع والتوقعات المستقبلية، يعتبر تفاعل الأسواق مع الأحداث الاقتصادية يوم الخميس اتجاهًا واضحًا لتجاهل المخاطر قصيرة الأمد والتركيز على الفرص طويلة الأمد. وهذا السلوك قد يكون مدفوعًا بعدة عوامل، منها استمرار تدفق السيولة في الأسواق، ومرونة القطاع الاستهلاكي، والآمال في أن تكون التحديات الحالية مؤقته.
لكن من الضروري الإشارة إلى أن تجاهل المؤشرات السلبية، مثل انكماش قطاع التصنيع، قد يكون قصير النظر. فإذا استمرت هذه الإشارات التحذيرية، فقد تجد الأسواق نفسها في مواجهة تصحيحات حادة. لذلك، يعتمد الاستقرار المستقبلي على مدى استدامة التحسن في البيانات الاقتصادية، ومدى استجابة السياسة النقدية لتحديات النمو والتضخم.
اقرأ: توقعات الأسبوع للأسواق الخليجية والمصرية – خاص
وبالنسبة لي أرى أن أداء الأسواق يوم الخميس يعكس تفاؤلاً مفرطًا قد يكون محفوفًا بالمخاطر. فصحيح أن البيانات الإيجابية بشأن البطالة والمساكن توفر دفعة معنوية، إلا أن الاقتصاد الأمريكي يواجه تحديات حقيقية في قطاعات مثل التصنيع، والتي لا يمكن تجاهلها بسهولة. وإذا استمر هذا التباين بين إشارات الاقتصاد الحقيقي وردود فعل الأسواق، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التقلبات في الفترات المقبلة.
مع ذلك، يبقى مؤشر داو جونز في موقع قوة نسبية، مدعومًا بأداء الشركات الكبرى وتنوع القطاعات المدرجة فيه. لكن، ينبغي على المستثمرين توخي الحذر، حيث أن الأسواق المالية قد تكون متفائلة أكثر مما ينبغي في مواجهة تحديات عالمية واقتصادية مستمرة.
تحليل: رانيا جول