من أرشيفي (2001).
لا بدّ للكاتبة الصحافية أن تكون جميلة.
هذه إحدى الشروط البارزة في تكوين الشخصيّة العامة للكاتبة..
ومن حقّ د. نوال السعداوي، الكاتبة المصرية الشهيرة، أن تُطالب بغير ذلك.
أن تترك شعرها «منفوشاً»، يبيضّ فلا تسوِّده، يقسو فلا تُنعِّمه، ومن حقها أن تستفيق صباحاً، فتخلع قميص نومها أو بيجامتها وترتدي الجاكيت لتذهب إلى استديو التلفزيون وتطلّ على المشاهدين، تماماً كما كانت في فراشها، مع الفرق بين بيجاما وجاكيت!
ومن حقها أن لا تصبغ أظافرها، وأن لا ترتدي ما يليق بجسمها، فأي شيء ممكن، لأنّ برأيها الأنوثة هي الفطرة! ولعلّ الكاتبة العظيمة اعتقدت، ولا تزال، أنّ شرط الأنوثة الساحرة هو أن تتكسّر أظافر الكاتبة على نِصال الكلمات.. وأرى العكس!
فما أحببت نصّي إلا لأنّني أحب أن أكون جميلة.
فكما تأخذ منّي هذه الكلمات وقتاً للصياغة وإعادة الصياغة أحياناً، والتنضيد وإعادة التنضيد، والتفكير وإعادة التفكير، لتخرج على هذه الصفحات البيض.. هكذا يأخذ منّي شكلي في إعادة صياغته، لأطلّ على المشاهد أو القارئ أقل «نكشاً»، أكثر تهذيباً، وأشدّ اجتهادًا في الشكل والمضمون كي ينسجما ويتماهيا ويتعاشقا.
ورغم كل ما اخترعته النساء الثوريات منذ ما قبل الـ 1917 من القرن الماضي وقبل، وحتى اللحظة من أفكار الدعوة التحرّرية للمرأة الثورية، ومطلبها في التخلّي عن جمالها- أنوثتها- وقد حملت الثوريات الأقلام مثلما يحمل المغوار بندقيّته!
فإنّني أُبقى على شروط تزويج رأسي الجميل- كما يتهيأ لي- لشكلي الجميل بعقد قدسيّ، إذ أنّ ما جمعه الله لا تفرِّقه تظاهرات نسويّة مندِّدة بالكحل و«روج» الشفاه ونعومة البشرة.
المعرفة جميلة وهي مؤنّثة..
والمثابرة جميلة وهي مؤنّثة..
وكلتاهما أحبهما لأنّهما من جنسي..
وإنّني أسعى لخطب ودّهما، وعدم التشاجر معهما، حتى في أعلى حالات ثورتي ضد الذكور.
على الكاتبة أن تكون جميلة ونظيفة وأنيقة وعَطِرة، وعلى قدرٍ كبير من اللياقة الجسدية، كي ينعكس ذلك كلّه على نصّها وسلوكها وحديثها وإطلالاتها.
عليها أن تكون ناعمة، خفيفة كالفراشة، رقيقة حادّة كالماسة وغضوبة، حاسمة، حذرة، ملساء، حكيمة ومطواعة كالحيّة، بمفهومها ومعناها ما قبل أن يُصيِّرها الفكر التوراتي ملعونة!
وليس صحيحاً أنّ كل أنيقة سخيفة، وليس صحيحاً أنّ على كل جميلة أن تصمت.
وليس صحيحاً أنّ المثقفة يجب أن تكون ممتلئة بالشحم واللحم الزائد منذ ما تحت ذقنها إلى ما تحت ردفيها.
وليس صحيحاً أنّ كل كاتبة مهمة يجب أن تتزيّن ببقعتين من العرق تحت إبطيها.
وليس صحيحاً أنّ الفكر والفهم والذكاء والإبداع حكرُ على البشاعة – الرجل- الذي لا حيلة له ولا حيْل مع بشاعته التي تحبها المرأة ويكرهها هو!
أنا جميلة.. إذاً أنا كاتبة متوازنة!