تشهد العلاقات بين تركيا والصين تحولات استراتيجية مهمة على مدار العقود الأخيرة، بدأت بتأسيس روابط دبلوماسية رسمية في عام 1971 عقب اعتراف تركيا بجمهورية الصين الشعبية.
اقرأ: أردوغان يحذر من مخطط إسرائيلي لاستهداف تركيا
اليوم، ترتكز العلاقات بين البلدين بشكل أساسي على التعاون الاقتصادي والبنية التحتية، مع تزايد الاعتماد التركي على الاستثمارات الصينية ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق. ورغم هذا التعاون، تعاني تركيا من عجز تجاري كبير مع الصين، حيث تعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية بينما تصدر المواد الخام ذات القيمة المضافة المنخفضة، مما يعزز الفجوة التجارية بين البلدين.
على الصعيد العسكري، تميزت العلاقات بين تركيا والصين بتعاون حذر في مجالات تكنولوجيا الدفاع، مثل إنتاج الصواريخ الباليستية المشتركة، ما أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو. هذا القلق ينبع من احتمال كشف بعض التكتيكات الدفاعية الغربية للصين من خلال التدريبات المشتركة مع تركيا، والتي لم تكن جزءً من التدريبات الرسمية التابعة للناتو.
اقرأ: تركيا تحجب الانستغرام بشكل مفاجيء
استراتيجية تركيا للانضمام إلى مجموعة بريكس، بقيادة الصين وروسيا، تعد خطوة رئيسية في سعي أنقرة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي وتخفيف اعتمادها على المؤسسات الغربية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. هذا التحول يهدف إلى توفير بدائل مالية جديدة من خلال بنك التنمية الجديد الخاص بمجموعة بريكس، وتعزيز التعاون في مشاريع البنية التحتية والطاقة. كما أن تركيا تأمل في تعزيز مكانتها كجسر بين الشرق والغرب من خلال هذه الشراكة.
تداعيات التحركات التركية على الولايات المتحدة:
انضمام تركيا المحتمل إلى مجموعة بريكس له تداعيات جيوسياسية كبيرة على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. أولاً، هذا التحرك يعكس تقارب تركيا مع الصين وروسيا، ما يمكن أن يقلل من التزام أنقرة بتحالفاتها التقليدية مع الناتو والغرب. ثانياً، الولايات المتحدة ترى في مجموعة بريكس تحديًا واضحًا للنظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده المؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. دخول تركيا، وهي دولة عضو في الناتو، إلى بريكس يعزز من قوة المجموعة كبديل استراتيجي للنظام المالي الغربي ويزيد من نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.
الولايات المتحدة تشعر بالقلق لأن انخراط تركيا المتزايد مع مجموعة بريكس قد يؤدي إلى تقويض نفوذها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث تسعى واشنطن للحفاظ على دورها المهيمن. كما أن توسع العلاقات العسكرية التركية مع الصين وروسيا، بالإضافة إلى شراء تركيا لمنظومة الدفاع الروسية S-400، يثير شكوكًا حول التزام تركيا بالتزاماتها الأمنية داخل حلف الناتو.
اقرأ: آخر ما قاله إسماعيل هنية قبل اغتياله واللحظات الأخيرة! – فيديو
لماذا تشعر الولايات المتحدة بالانزعاج؟
1. إضعاف التحالفات الغربية: تحركات تركيا نحو بريكس قد تؤدي إلى إضعاف التماسك الاستراتيجي داخل الناتو، خاصة إذا استمرت تركيا في التقارب مع الصين وروسيا في مجالات الدفاع والاقتصاد.
2. تحدي النظام المالي العالمي: تسعى بريكس لتقديم بدائل للمؤسسات المالية الغربية، ما قد يقلل من هيمنة النظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة ويعزز نفوذ القوى الشرقية.
3. تحول جيوسياسي: تركيا كانت تاريخيًا حليفًا رئيسيًا للغرب في منطقة حيوية جيوسياسيًا. انضمامها إلى بريكس يمكن أن يعيد تشكيل توازن القوى في المنطقة، مما يضعف دور الولايات المتحدة ويزيد من النفوذ الصيني والروسي.
بالتالي، تتحسس الولايات المتحدة من هذا التحول لأنه يعرض مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط ووسط آسيا للخطر، ويزيد من تعقيد العلاقات مع دولة عضو في الناتو تسعى إلى تقارب مع خصومها الجيوسياسيين.
العلاقات بين تركيا وإيران وتحول استراتيجي ضخم:
كما شهدت العلاقات بين تركيا وإيران شهدت تحولاً استراتيجياً في السنوات الأخيرة، حيث تحولت من تنافس إلى تحالف أكثر تعقيداً يجمع بين التعاون والتنافس في آن واحد.
يتأثر هذا التحول بالعوامل الإقليمية والمصالح المشتركة، وخاصة استجابة للتغيرات في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط.
العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعتبر حجر الزاوية لهذا التحالف، حيث استمرت تركيا في تبادل التجارة والطاقة مع إيران رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها. هذا الاعتماد الاقتصادي المتبادل أسهم في تشكيل علاقة براغماتية، حيث يرى كلا الطرفين مصلحة في الحفاظ على روابط ثنائية قوية.
على المستوى العسكري والسياسي، رغم التناقضات في بعض المناطق مثل سوريا والعراق، وجد البلدان أرضية مشتركة في مكافحة الجماعات الكردية التي يعتبرها كلاهما تهديدًا أمنيًا. كما لعبت تركيا وإيران دورًا مهمًا في محادثات “أستانا” التي تهدف إلى استقرار الوضع في سوريا.
تركيا، من خلال تقديم طلبها للانضمام إلى مجموعة بريكس، تسعى لتعزيز علاقاتها مع إيران بشكل أكبر. انضمامها إلى بريكس قد يتيح لكلا البلدين فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري في مجالات الطاقة والبنية التحتية، إضافة إلى تقديم بدائل للتعامل مع العقوبات الغربية المفروضة على إيران.
التداعيات على الولايات المتحدة
الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء التقارب التركي الإيراني، خاصة في ظل رغبة تركيا في الانضمام إلى بريكس وتعزيز التعاون مع روسيا وإيران. هناك ثلاثة أسباب رئيسية لهذا الانزعاج:
1. تراجع النفوذ الأمريكي: التعاون المتزايد بين تركيا وإيران يضعف نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة في مناطق حساسة مثل سوريا والعراق، حيث تمتلك كلا الدولتين مصالح مشتركة تتعارض أحيانًا مع الأهداف الأمريكية.
2. تحديات للهيمنة الغربية: انضمام تركيا إلى بريكس يُعد خطوة نحو تعزيز النظام العالمي المتعدد الأقطاب الذي تدعمه إيران وروسيا والصين، والذي يسعى إلى تقويض الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
3. تأثيرات على الناتو: تركيا، كونها عضوًا في حلف الناتو، يثير تعاونها المتزايد مع إيران وروسيا تساؤلات حول مدى التزامها بتحالفاتها الغربية، خاصة بعد شراء منظومة الدفاع الروسية S-400، مما أدى إلى توتر العلاقات مع واشنطن.
بالتالي، فإن التحالف التركي الإيراني يعقّد الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة ويهدد النفوذ الغربي بشكل عام، مما يجعل الولايات المتحدة تراقب هذا التطور بحذر.