لن أدّعي أنّي «أفهم من غيري» وأنّي فيلسوفة زماني، ولا المُصلحة التي سأدخل التاريخ من أبوابه، كل ذلك لا أدّعيه.
لكنّي، بشرف أدّعي، أنّي لا أسمح لأحد أن يغشّني، وأني أقرأُ وأتابع وأبحث، كي أعرف ما يُمكن معرفته..
فلا رجل دين، ولا خوري ولا شيخ ولا بوذي، يستطيع أن «يبلفني» فيضيّعني ويُصيّرني عبدته، كما حال الغالبية من عبَدَة سلطات الدين الذين يضربون بقبضة جهنم التي يتوعدون بها الناس عن لسان الله وأنبيائه.
وهذا حالي، في المؤلفات لكبار المفكرين من رواة وباحثين وفلاسفة، تعلمت كيف أضع خطاً تحت السطر مرةً، لأدلِّل عليه احتراماً، ومرات أضع إلى جانبه علامة إستفهام أو علامة تعجب، لأقول إنّي غير مقتنعة.
أدعي أننّي أؤمن بواحدة من مقولات الإمام علي التي لم أحفظها عن ظهر قلب.. والتي يقول فيها ما معناه ( لا تكونوا مذاييع لما أقول، فأن لم يُعجبكم فردّوه لي).
الأسبوع الماضي شعرتُ باشمئزاز يُمرضني من حال Data الإنترنت، التي تمتلىء صفحاته بالأكاذيب أو الأقوال غير المسنودة.
اشتقت للكتاب.
سافرتُ من الأشرفية إلى الحمرا، وعلى مدار الطرقات تعرَّفت على «شي 500 سوري»..
ما أعادني في الأجواء إلى ما قبل الـعام 2005.. عال.. عال..
عاد إلينا الأحباء في إحتلالٍ من نوع آخر.
كل سيارة تاكسي ركبتها، وكل مكان اشتريت منه، وكل بياع خضرا ومناقيش وحرير هندي وثياب Signe، كل من باعني واستقبلني وودعني كانوا من الأحباب السوريين، وما عدت مشتاقة للشام، شعرت أني في الصالحية..
وأسأل أمة بني لبنان..
أين بيروت؟
وبعد..
من ضمن ما اشتريت، مجموعة من الإصدارات الجديدة لكتّاب أحبهم، وجدد أريد التعرّف عليهم وعلى إبداعاتهم، ومن الإصدارات الجديدة، (التائهون) للعظيم أمين معلوف الذي عشقتُ له (سمرقند).
عدتُ لأغرق بين صفحات أحد الكتب والمفروض أنّي اشتريته لأهديه، لأنّي أملكه في مكتبتي وكنت قرأته مرات.
لكنّي لمحتُ على غلاف الطبعة الجديدة، عبارة جمّدت عيناي أمامها وهي:
(كتاب للجميع ولغير أحد)
هذه العبارة، لا أعرفها عند نيتشيه في كتابه (هكذا تكلم زرادشت)، فهل اخترعها المترجم، أو مقدِّم الكتاب في طبعته الجديدة.
وبعد تقليب الصفحات، انتهيتُ إلى أن المترجم، علي مصباح.
إنه اسم جديد، لم أقرأ له ترجمة لنيتشيه من قبل، وانتهيت إلى أنه كتبَ عبارة على الغلاف يقول فيها أن الترجمة جاءت مباشرة عن اللغة الأصلية أي: (عن الألمانية).
وتساءلت: أي سخيف هو مسيو مصباح الذي يعرف أننا نعرف بأنّ النص الأصلي باللغة الألمانية. فهل سيترجم عن الباكستانية مثلاً!
بدأت أقرأ في المقدمة، إلى أن انتهت مقدمة المترجم مسيو علي مصباح في 31 صفحة.
وفهمتُ أن المترجم تعمَّد أن ينشر على غلاف كتابه/ عِبارتين، هما (كتاب للجميع ولغير أحد) و (عن الألمانية).
31 صفحة، مقدمة لترجمة جديدة لـ (هكذا تكلم زرادشت)، قدم فيها المترجم مئات الفضائح عن كل المترجمين السابقين الذين قدّموا لنا زراديشت ونيتشيه بالعربية.
ولأنّي صدّقت الأستاذ علي مصباح، احتفظتُ بالنسخة لنفسي لأنّي فهمت أن كل ما فهمته من قراءاتي السابقة، فمُشوّه، وغير حقيقي، وملعوب فيه وعليه، ذلك أن كل المترجمين السابقين الذين نقلوا نيتشيه من اللغات المترجمة إلى لغات مختلفة ثم إلى العربية فتصرّفوا بنصوصه، وهذه جريمة، بل أبشع جريمة.
غالبيتهم لم يترجموا عن النسخة الألمانية بل عن ترجمة فرنسية، ما جعل المؤلف- المترجم يصف ذلك، بالسطو والإغتصاب، لأنّ المترجمين حذفوا مرة وشوهوا مرات، وأوّلوا مليون مرة، ولعنوا «سنسفيل» الفيلسوف الألماني الرائع، الذي قرأته قبل عشرين عاماً، فأنار أمامي جانباً كبيراً من الطريق.
لمن يدّعي أنه يعرف نيتشيه في (هكذا تكلم زرادشت) عليه أن يتنازل عن ادّعائه، وأن يحصل على النسخة التي ترجمها علي مصباح.