بأعماق روح لبنان النابضة بالحياة والإبداع، وبعراقته وأرزه وتراثه الغني، وبنسيجه المحاك من خيوط التعدد الديني والإثنيات والثقافات المختلفة، وبترديد التاريخ لروايات صموده، نفتخر ونعتز بانتمائنا لبلدنا أمام الأمم.
لكننا اليوم نعتصر ألمًا ونموت خشيةً على مستقبل لبنان من ألسنة الحقد والكراهية التي تنفث سمومها بروح وحدتنا الوطنية لقتل لبنان من الداخل.
والصورة واضحة إنهم ارتضوا أن يكونوا خنجرًا غادرًا مغمسًا بسموم الحقد والتعصب والتطرف والمذهبية لطعن وطننا. ليكون لبنان بين سيف العدو من الأمام وخنجر غدرهم من الخلف.
يربط البعض جهلاً أو بنوايا خبيثة بين سموم الحاضر والحرب اللبنانية. نقول، نعم، لقد مررنا بحرب قاسية لكنها كانت في جوهرها نضالاً ضد الأعراف اللبنانية السياسية المأخوذة من الدستور اللبناني بجزئه الطائفي والذي خُيِطَ بأيادي استعمارية وفرض بقوة الاستعمار الفرنسي علينا.
حرفوا حقيقة نشوب الحرب الاهلية وأهدافها وسموا الحرب بالحرب الطائفية وهذا غير صحيح.
هذا التحريف لحقيقة الحرب منذ 1975 والى 1991 كان خدمة لمصالح القوى الخارجية الذي مكّنها من فرض نفوذها على لبنان بأيادي حلفاء الداخل.
اقرأ: ياسمين عبد العزيز تؤكد ما نشرته الجرس عن طلاقها!
اليوم، في كل ركن من أركان لبنان، من القرى البعيدة إلى المدن الصاخبة، على وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية وفي كل تغريدة مقيتة، نشهد انتشارًا مقلقًا لخطاب الكراهية الذي بلغ حد الاستهزاء بالمعتقدات والطقوس الدينية. لا يمكننا اعتبار مواقف الحقد هذه مجرد كلمات تُقال في الهواء ونحاول غض الطرف عنها. هذه المواقف لها تأثير حقيقي وملموس على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي في بلدنا يجب عدم الغفلة عنه.
هكذا خطابات غير بريئة تحول الأصدقاء إلى أعداء، وتمزق النسيج الاجتماعي الذي اشترك اغلبنا بنسجه ولو بصعوبة عبر السنين وإن لم يصل الى المستوى المطلوب ولكنه ساعدنا على الاستمرار. وهناك ضرر بالغ لا يمكن إغفاله يصيب أطفالنا الذين يتربون على لغة الانقسام والكراهية بدلًا من لغة الحب والوحدة ويصيب عقول شبابنا حينما يؤسس فيهم الاعتقاد بأن “المختلف” هو “الخطر الاكبر”.
اقرأ: إلهام شاهين: لو متكلمناش في المحرمات هنتكلم في إيه؟
لكن، حتى في هذا الظلام الدامس، فالأمل معقود بعزيمة وصمود وأدراك شعبنا اللبناني الذي تحدى الصعاب وبقي شامخًا على مر العصور. يكمن الأمل في أصوات العقل التي تنادي بالوحدة والتفاهم. ويكمن في شبابنا الذي يحلم بلبنان يزهو بالتنوع ويعانق الاختلاف.
خطاب الكراهية هذا جعل لبنان أمام مفترق طرق حاسم ولا سبيل أمامنا سوى أن نختار طريق المحبة والتآخي مستقبلاً للبنان. علينا العمل بجد لمواجهة هذا الخطاب بالتعليم والحوار البناء وليس فقط بفرض القوانين. وعلينا تعليم أطفالنا أن الاختلاف مصدر للقوة وليس ضعفًا ويجب أن نحاسب كل من يستغل منصته وموقعه وحب الناس له لنشر الفرقة والبغضاء بين أبناء شعبنا.
وأخيراً لدي خطابين …
الأول موجه إلى أولئك الذين يروجون لخطاب الكراهية، أناشدكم جادةً باسم كل لبناني مخلص أن تتأملوا بعمق في أثر كلماتكم وأفعالكم وأن تعلموا إن العار سيلاحقكم مدى التاريخ ويلطخ جباهكم وجباه أحفادكم لمشاركتكم في إثارة التفرقة والتميز والكره والتعالي بين أبناء الشعب.
والثاني موجه إلى أبناء وطني الرافضين لخطاب الكراهية، فأرجو منهم أن لا ينجروا إلى شرك الردود التصعيدية فهذا مبتغاهم وسيساعدهم من حيث لا تعلموا بنجاح خططهم الشيطانية.
ضياء الأحمدية