الفايسبوك مزبلة لا يمر عليه التافهون بصور صامته كالإنستغرام، بل يستفرغون غباءهم كله، وتجد نفسك أمام المشهد الحقيقي الوحيد للأمة العربية، والتي فشلت كل الدراما أن تنقلها.
مشهد العربي كيف يفكر، فتشعر أنك تتقيأ..
وكيف يناقش فينتابك الضحك..
وكيف يسخر و”يتهاضم” فتصاب بحمى البكاء..
وكيف يثور فتتأكد أنه صار لزامًا أن تحمل حقيبتك وترحل إلى وطن أجنبي بديل، كنتَ ترفضه قبل الفايسبوك، لأنك كنت تحب أُمتك العربية، وكنت تحبها لأنك كنت تشكلها على حجم آمالك!
ندرة هم الذين تقف منحنيًا أمام عبقرياتهم، ومنهم الكبير جدًا أيمن زيدان الذي لخص ذاكرته ووجعه في الأسطر التالية:
(وقبل.. أنوه أني لم أصلح في نصه إلا كلمة أحمقاً، التي وجب أن تكون أحمق، وكبار الصحافيين يخطئون فيها.. لاحظوا حسن اللغة والأسلوب والمفردات.. إنه أيمن زيدان المثقف الذي نحب)
حين تعود بي الذاكرة الى سنوات الحماسة والمشاريع الحالمة والتي استهلكت مني عمراً من الجهد والتعب..
وحين أعود إلى تلك الافكار والرؤى التي سكنتني طويلاً فأنجزتُ عشرات المشاريع في التلفزيون والمسرح والسينما..
وحين اتذكّر كيف كنا نقضي ساعات طويلة من البحث لننجز نهاية رجل شجاع اواخوة التراب اوالطويبي أومدير عام وبطل من هذا الزمان..
أوحين كنا نبحث كيف نبني مدناً لتل الرماد وهوى بحري..
أوكيف كنت أخطو بوجه مشوه وانحناءة ظهر مؤلمة في جواد الليل..
أو تلك العيون المشدودة وعباءة الفرو السميكة تحت لفح الشمس الحارقة في هولاكو..
أو كيف كنت قبل هذا أجول في عربة مسرح بدائية في أصقاع القرى مع مجموعة من الهواة الحالمين لنعرض المهرج وعنتره والملك هو الملك..
أو كيف كنا نسهر الليالي لنعيد انتاج مسرح شعبي تغص فيه القاعة بأولئك البسطاء..
أوحين أعود إلى تلك الليالي التي أقتطعتها من عمري وانا اكتب الليلة الرمادية واوجاع وتفاصيل..
أو تلك الايام التي اخرجتُ فيها اغاني الرائعة ميادة بسيليس..
أو حين تداهمني اللحظات الأعقد تلك التي قضيتها خلف الكاميرا وانا أُخرج ليل المسافرين وطيور الشوك وملح الحياة وأيام لا تُنسى..
أو لحظات البرد القارس في فيلميّ الأب ودرب السما. والجهد المنهك في مسافرو الحرب. وقلق لحظات الانجاز في فيلم أمينه.
حين تهجم على ذاكرتي كل هذه المحطات أتيّقن كم كنت أحمق..
ما يسود الآن لم يكن يحتاج كل هذا الجهد. والذائقة المهيمنة والسائدة لم تكن تستحق كل هذا العناء.. كم سفحنا من العمر هباءً لأننا لم نحسن قراءة الآتي.. تباً لزمن كهذا هزم احلامنا.. تباً لزمن يسود فيه فن كهذا ويُحتفى به بل ويوماً بعد يوم يكثرُ مريدوه والمهللون له.. لا أمل.
نضال الاحمدية – القاهرة