زار رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وزعيم المعارضة رياك مشار الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس الذي قبّل قدميهما، راجيًا السلام، بلقطةٍ أثارت ذهول العالم.
كان وفدٌ من جنوب السودان ضمّ ميارديت ونائبه السابق الذي تحوّل إلى زعيمٍ للمعارضة مشار، ومسؤولين آخرين و8 أعضاء من مجلس الكنائس، لبى دعوة الفاتيكان للمشاركة في لقاء روحي نظّمه مكتب رئيس أساقفة كانتربري والزعيم الروحي للكنيسة الإنجليكية جاستين ويلبي، من أجل دعم المصالحة في ١٠ و١١ من هذا الشهر.
المصالحة أتت بعد خلافٍ كبيرٍ بين ميارديت ومشار كاد يودي البلاد إلى حرب أهلية طاحنة، بعد إعلان مشار عن تمرده بوجه الدولة، والذي يتمتع حزبه بشعبية هائلة، لولا تدخل الفاتيكان.
من سلفاكير ميارديت؟
سلفاكير ميارديت من مواليد 1951، وأول رئيس لجنوب السودان بعد إستقلاله عن دولة السودان، مسيحيي وأصبح إسمه الكنسي لدى التعميد (سلفا تور).
إستلم منصب نائب رئيس السودان خلفاً للعقيد جون قرنق، وكان قائدًا لجيشها بعد مقتل قرنق في حادث مروحية، وبدأ حياته العسكرية كجندي في الجيش السوداني قبل أن يلتحق بقوات قرنق، وأصبح نائبًا لقائد الأركان، ومكلفًا بالعمليات في الجيش الشعبي لتحرير السودان عام 1986.
ترقّى سلفا 1997، ليصبح نائبًا لقرنق بقيادة الحركة، وقائدًا عسكريًا لقواتها المسلحة.
ظهرت الشائعات منذ العام 1998 حول خلافه مع قرنق والتي تقول إنه كان يخطط لانقلاب داخل الحركة الشعبية واعتقاله، ويعد من المتشددين، وكان مؤيدًا لخيار الانفصال عن الحكومة المركزية باعتباره حلًا مثاليًا للجنوب.
شهد السودان عام 2010 انتخابات برلمانية ورئاسية، وحققت الحركة الشعبية لتحرير السودان نتائج كاسحة فيها، لينتخب كرئيس لجنوب السودان بنسبة 93% من أصوات الناخبين.
عام 2013 دبت الخلافات بين سلفاكير وعدد من قادة الحركة الشعبية، بمقدمتهم نائبه رياك مشار الذي إنحدر من قبيلة النوير، ليتطور بعدها إلى إتخاذه قرارًا بإقالته قبل إعلانه بأن حكومته أحبطت محاولة انقلابية يقودها نائبه.
فور إعلان إحباط المحاولة الانقلابية انقسم جيش دولة جنوب السودان بين قوتين: الأولى الحاكمة بقيادة سلفاكير، والثانية المنتفضة بقيادة رياك مشار.
إندلعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين خلفت مئات القتلى وعشرات آلاف المهجرين تدخلت على إثرها الأمم المتحدة، حيث توصل إلى اتفاق سلام بين رياك مشار وخصومه عام 2015 في أديس أبابا بأثيوبيا، عاد على إثرها مشار إلى جوبا ليشغل منصبه السابق نائبًا للرئيس في حكومة وحدة وطنية جديدة.
غير أن الاتفاق لم ينجح في وضع حد نهائي للخلافات بين الجانبين، إذ سرعان ما اندلعت الاشتباكات المسلحة بين القوات المؤيدة لكل طرف، كان من بينها اشتباكات اندلعت في بداية يوليو/تموز 2016 بجوبا خلفت نحو ثلاثمئة قتيل.
أبدى ميادريت إحترامه لتصرف البابا الذي قبّل قدميه، واعدًا إياه بالمحافظة على السلم الأهلي في جنوب السودان، وعدم الإستمرار بالمعارك التي تودي بحياة العشرات.
البابا قبّل قدمي ميادريت ومشار ليرجوهما بوقف الاقتتال والإلتزام بالمصالحة وقال: (أطلب منكم كأخ أن تبقوا في سلام.. أنا أطلب منكم من قلبي.. دعونا نمضي قدما.. ستكون هناك العديد من المشكلات لكنها لن تتغلب علينا.. حلوا مشاكلكم).
الدهشة أصابتهما لأن البابا يعاني من ألم مزمن في الساق، وكان يعاونه مساعدوه، ليركع بصعوبة لتقبيل أقدام الزعيمين الخصمين!
البابا فرنسيس من رجال الدين القلّة الذين يذكروننا بالقديسين، وبتسامح (يسوع) وتعاليمه الإنسانيّة المجيدة، على عكس غالبيتهم من المتعطشين لنفوذ وسلطة المادة، ليستغلوا رسائل الله لأجل مصالحهم الدنيئة المشتركة مع رجال السياسة.
لا يجد القديسون عيبًا بتقبيل قدم أو يد شخصٍ ما، إن كان المقابل إحياء السلام وإنتصار الإنسانية وإنهاء الحروب التي تودي بحياة الأبرياء، تطبيقًا لتعاليم يسوع التي تدعو لنشر المحبة والسلام بأي طريقة، إلا أن قلّة من يلتزم بها من رجال الدين.
صورة نبل ومحبّة وإنسانيّة البابا فرنسيس حركّت مشاعر النجمتين إليسا ونانسي عجرم، اللتين نشرتا الصورة وكتبتا:
إليسا: (هيدي بي كنيستي ورمز التواضع متل المسيح. لما يبوس إجر زعيم أرضي ليطلب السلام، بيكون عمل أكتر ما عملو كل زعما الحرب كل هالسنين. البابا فرنسيس قديس).
نانسي عجرم: (قبّل أقدامهم راجيًا السلام… بابا المحبّة والتواضع والسلام).