شهد زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني تراجعًا كبيرًا إلى ما دون مستوى 141.00 خلال بداية تعاملات اليوم الجمعة، مقتربًا من أدنى مستوياته منذ بداية العام. وهذا التراجع يأتي ضمن موجة هبوطية استمرت لشهرين، مع استمرار تراجع الدولار الأمريكي وتزايد قوة الين الياباني. فهل يستمر هذا الاتجاه الهبوطي أم أننا على وشك تصحيح محتمل؟
كان المحرك الرئيسي وراء هبوط الدولار الأمريكي هو التوقعات المتزايدة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه نحو تخفيف سياسته النقدية بشكل كبير. على خلفية البيانات الاقتصادية الأضعف، خاصةً بعد إصدار مؤشر أسعار المنتجين(PPI) الأمريكي مؤخراً والذي جاء أضعف من المتوقع، تزايدت الرهانات على أن الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في نهاية اجتماعه الأسبوع المقبل. كما يقدر المستثمرون الآن احتمالية حدوث هذا التخفيض بأكثر من 40٪، مما يعكس قلق الأسواق من تباطؤ النمو الاقتصادي وتأثير ذلك على الدولار.
اقرأ: مستقبل مؤشر الدولار
وبناءً على هذه التوقعات، شهدت عائدات سندات الخزانة الأمريكية انخفاضًا، مما أدى إلى تراجع الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني. انخفاض العوائد يعكس ضعف الدولار، حيث يفضل المستثمرون الابتعاد عن الدولار لصالح عملات أخرى مثل الين الياباني.
ومن وجهة نظري يعتبر هذا التطور علامة واضحة على تغير مسار السياسة النقدية الأمريكية، مما يضغط بشكل متزايد على الدولار. كما أن استمرار هذه التوقعات يشير إلى أن الدولار سيبقى تحت الضغط، مما يعني أن زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني قد يواصل تراجعه.
في المقابل، يُواصل الين الياباني الارتفاع مدعومًا بإشارات متشددة من بنك اليابان المركزي. عضو مجلس إدارة بنك اليابان، ناوكي تامورا، أدلى بتصريحات متشددة يوم أمس الخميس، مشيرًا إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة إذا توافقت التوقعات الاقتصادية مع التوقعات المستقبلية. وأعتقد أن هذه الإشارات تدفع المستثمرين إلى زيادة الاقبال على الين الياباني، الذي يبدو الآن أكثر جاذبية في ظل احتمالية ارتفاع الفائدة.
أيضاً أوضح المسؤول الياباني أن الطريق نحو إنهاء السياسة النقدية التيسيرية لا يزال طويلًا، لكنه أشار أيضًا إلى إمكانية الوصول إلى مستوى فائدة يبلغ 1% بحلول النصف الثاني من عام 2025. ومن رأيي هذا التباين الواضح بين السياسة النقدية لليابان والولايات المتحدة يعزز من جاذبية الين الياباني، مما يسهم في الضغط على زوج الدولار/الين نحو المزيد من التراجع.
اقرأ: توقعات أسعار الذهب وسط قوة الدولار وغموض اقتصادي
كما أرى أن هذا يشير إلى أن بنك اليابان يتحرك بخطى ثابتة نحو رفع الفائدة على الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، مما يعني أن الين سيستمر في الحصول على الدعم في المستقبل القريب. بينما تبقى التوقعات الأمريكية غير واضحة، وتبدو اليابان في وضع أفضل من حيث إدارة أسعار الفائدة واستقرار العملة.
وعلى الرغم من هذه التطورات، قد يفضل بعض المتداولين التريث والانتظار قبل اتخاذ قرارات نهائية، وذلك بسبب المخاطر المتعلقة بالبنوك المركزية الأسبوع المقبل. الاحتياطي الفيدرالي سيعلن عن قراره بشأن أسعار الفائدة يوم الأربعاء المقبل، ويليه تحديث سياسة بنك اليابان يوم الجمعة. هذان الحدثان قد يحددان المرحلة التالية من التحرك الاتجاهي لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني.
ومن وجهة نظري هذه الأحداث ستكون حاسمة في تحديد المسار القادم، خاصة في ظل تقلبات الأسواق الأخيرة. فالاتجاه العام يشير إلى استمرار التراجع في حال استمر الاحتياطي الفيدرالي في إظهار ميله نحو تخفيف السياسة النقدية، بينما قد يشهد الزوج استقرارًا إذا جاءت قرارات بنك اليابان أقل تشددًا مما هو متوقع.
وبالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية، سيركز المستثمرون على بيانات مؤشر ثقة المستهلك الأولية لولاية ميشيغان لشهر سبتمبر، والتي ستصدر اليوم الجمعة. والتوقعات تشير إلى أن المؤشر سيظل ثابتًا تقريبًا عند 68.0، مقارنةً بالإصدار السابق البالغ 67.9. هذه البيانات ستوفر مزيدًا من الإشارات حول مدى ثقة المستهلكين الأمريكيين في الاقتصاد المحلي، مما قد يؤثر بدوره على توقعات الاحتياطي الفيدرالي وتوجهات السوق.
اقرأ: هل تقضي السعودية على الدولار الأميركي؟
لكنني أرى أن هذه البيانات، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية لتعويض التراجع الكبير في الدولار إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي في خططه لتخفيف السياسة النقدية. إلا أن أي مفاجآت إيجابية في البيانات قد توفر دعمًا مؤقتًا للدولار وتساعد في إبطاء التراجع الحالي.
وفي ظل هذه الخلفية الاقتصادية والسياسية الأساسية، يبقى المسار الأقل مقاومة لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني نحو الانخفاض. ويمكن أن يستمر الزوج في الهبوط إذا استمرت التوقعات بتخفيض الفائدة الأمريكية، بينما سيحافظ الين الياباني على قوته بفضل السياسة النقدية المتشددة في اليابان.
اقرأ: الذهب يرتفع مقابل تراجع الدولار – تحليل
وبناءً على هذه العوامل، سيبقى زوج الدولار/الين على انخفاض في المدى القريب لإنهاء الأسبوع الثاني على التوالي باللون الأحمر، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه الدولار الأمريكي في الفترة الحالية.
تحليل سوق لليوم عن رانيا جول