في ظل المكاسب المستمرة التي يحققها مؤشر الدولار الأمريكي(DXY)، يتضح أن هناك عدة عوامل تساهم في دفع الدولار نحو مستويات أعلى من 103.20 نقطة، وهو ما يثير التساؤل حول مستقبل هذه الحركة التصاعدية. وبرأيي من بين هذه العوامل، الدور الذي تلعبه البيانات الاقتصادية الأمريكية القوية، وتقدم الرئيس السابق دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، والتحفيز الاقتصادي الذي أعلنته الصين لدعم قطاع الإسكان. كل هذه العناصر تعزز من قيمة الدولار وتضعه في موقع قوي على الساحة العالمية، ولكن هل هذا الارتفاع سيستمر؟
اقرأ: السيسي يوضح سبب ارتفاع الدولار
من وجهة نظري هناك زخمًا قويًا في الاقتصاد الأمريكي الذي يستفيد من دورة خفض الفائدة التي بدأها بنك الاحتياطي الفيدرالي. وعلى الرغم من التوقعات التي تشير إلى أن البنك سيتبع وتيرة أبطأ في الخفض خلال الفترة المقبلة، فإن الدولار لا يزال مستفيدًا من القرارات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة. وبنك الاحتياطي الفيدرالي قد خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه الأخير، ولكن التوقعات المستقبلية تشير إلى تخفيضات أكثر تواضعًا، مما يدعم الدولار في مواجهة العملات الأخرى.
كما لا يمكن تجاهل الأثر الذي تتركه البيانات الاقتصادية الأمريكية اليومية على تحركات الدولار. حيث تتجه الأنظار نحو مبيعات التجزئة الأمريكية وبيانات طلبات إعانة البطالة، وهي مؤشرات رئيسية على صحة الاقتصاد الأمريكي. إذا جاءت هذه البيانات إيجابية، فإنها ستعزز من التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل سياساته النقدية المحافظة، وهو ما يدعم الدولار الأمريكي أكثر.
اقرأ: أسعار النفط بين قوة الدولار والأحداث الجيوسياسية
وبالتوازي مع ذلك، لا يمكن إغفال الدور السياسي في تعزيز مكانة الدولار. فتقدم دونالد ترامب في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات الرئاسية يزيد من احتمالية عودته إلى السلطة. ويعتبر الكثيرون أن سياسات ترامب الاقتصادية، التي تتسم بالتشدد والحماية التجارية، قد تدفع الدولار نحو مزيد من القوة. وإذا استمر ترامب في تقدمه بالاستطلاعات، فإن الأسواق قد تواصل دعمها للدولار باعتباره العملة الأقوى في ظل التغيرات السياسية.
وعلى الصعيد العالمي، أعلنت الصين عن خطة تحفيزية بقيمة 4 تريليون يوان لدعم سوق الإسكان. هذا الرقم برأيي وعلى الرغم من أنه أقل من التوقعات الأولية، إلا أنه يمثل خطوة نحو دعم الاستقرار الاقتصادي في الصين. ومع ذلك، لم يكن هذا الإعلان كافيًا لتهدئة مخاوف المستثمرين في الأسواق الآسيوية، حيث أغلقت الأسهم الصينية على انخفاض. ومع عدم وجود إشارات قوية على استجابة الأسواق بشكل إيجابي لهذا التحفيز، قد يظل الدولار في موقف قوة أمام اليوان والعملات الأخرى التي تتأثر بالأوضاع الاقتصادية في الصين.
ومن وجهة نظري أيضاً، قد تشكل التوترات الجيوسياسية عاملاً آخر يؤثر على مسار الدولار. ففي الفترة الأخيرة، خفت بعض المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط بعد أن تم اعلان بأنه لن يتم استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية في في أي هجمات مخطط لها. وهذا التخفيف النسبي في التوترات قد يحد من شهية المستثمرين تجاه الدولار باعتباره ملاذًا آمنًا، لكن تأثيره سيكون محدودًا في ظل بقاء العوامل الأخرى الداعمة لقوة الدولار.
وأعتقد أنه من الناحية الأساسية، يبدو أن هناك عدة عوامل تصب في مصلحة استمرار ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي(DXY) فالبيانات الاقتصادية القوية في الولايات المتحدة، وتوقعات استمرار خفض الفائدة بشكل متوازن من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وتقدم ترامب في الساحة السياسية، جميعها تشير إلى إمكانية استمرار الدولار في تحقيق مكاسب إضافية. كما أن ضعف الأداء الاقتصادي في مناطق أخرى من العالم، مثل أوروبا والصين، يعزز من قوة الدولار كعملة ملاذ آمن في ظل هذه التحديات.
ومع ذلك، يجب أن يبقى المستثمرون متيقظين لأي تغيرات محتملة في المعطيات. فقد يؤدي أي تراجع في البيانات الاقتصادية الأمريكية أو عودة التوترات الجيوسياسية إلى تقلبات جديدة في الأسواق، وهو ما قد يؤثر على حركة الدولار. ولكن بشكل عام، يظل الدولار في موقف قوي ويبدو مستعدًا لتحقيق مزيد من المكاسب في المستقبل القريب إذا استمرت الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية في دعمه.
تحليل: رانيا جول