بين الحين والآخر أُعيد مشاهدة بعض الأفلام، بغرض التدقيق، أو إعادة فهم المحتوى، خصوصًا إذا كان مضمون الفيلم يركز على الشق النفسي أو يتناول مرضًا نفسيًا.
من ضمن هذه الأفلام (خطاب الملك) الذي حصد العديد من جوائز الأوسكار، ويحكي عن قصة الملك جورج السادس، الذي كان مصابًا بالتلعثم في الكلام، وكان يلجأ إلى معالج نفسي يتبع أساليب غير تقليدية في علاجه.
أهم ما شغلني في الفيلم، ولا يزال يشغل بالي، علاقة الملك بالمعالج، وكيف استطاع المعالج أن يجعل الملك يكسر قواعد وأصول وبروتوكول الحكم لأجل العلاج.
كان بإمكان الطبيب أن يعالج الملك بحسب شروط الملك، لكن جرأته لم تكن عادية، واستطاع أن يفرض أسلوب علاجه على الملك، وأن يجعله يزور عيادته مرة أخرى بعد اعتراضه على طريقة المعاملة، فاضطر أن يتردد على العيادة مرة أخرى لأن المعالج تمكن من إقناعه.
ذكرتني علاقة المعالج بالملك، بحوار بيني وبين أحد أساتذتي في الطب النفسي، مع بداية عملي، عندما ذكر لي أنه ينزعج جدًا من المرضى أصحاب السلطة والنفوذ والمشاهير، لأنهم لا يلتزمون بالتعليمات، وأنهم ينقلبون بسرعة على الطبيب مهما كان مخلصًا ومجتهدًا، ولا يتكلمون بصراحة مع الطبيب النفسي خوفًا أن ينكشف سرهم، أو حفاظًا على صورتهم وأنهم لا يأتون له العيادة بل هو من يذهب إليهم.
وفي النهاية الحوار قال لي لا تفرح عندما يكون لديك مرضى مشاهير.
ظل هذا الحوار محفورًا في ذهني حتى شاهدت الفيلم، وانبهرت بشخصية المعالج، فقلت لنفسي أني سأتعامل بنفس طريقته مع أي مريض مهم ويجب أن أكون معتزًا بشخصيتي وواثقًا ولا أنبهر بهالة السلطة، وأن كلما زادت ثقتي بنفسي كلما اقتنع بي المريض أكثر. لكن قلت لنفسي أن الفيلم ليس إلا دراما والدراما خاضعة للمبالغة وصعب أن تحدث على أرض الواقع.
في نقطة في الفيلم أفضلها وهذه النقطة كانت في النصف الساعة الأخيرة منه عندما اكتشف الملك أن المعالج ليس طبيبًا أو متخصصًا وليس لديه شهادات وأنه فقط ممثل وملقن
سأنقل لكم الحوار بين الملك والمعالج وهي إحدى لحظاتي المفضلة في (خطاب الملك)، عندما يواجه بيرتي (الملك جورج السادس – كولين فيرث) معالج الكلام ، (ليونيل لوجو، يلعبه جيفري راش اللامع)، ويكشف أنه الآن يعرف أن ليونيل – الذي كان يعامله لبعض الوقت – في الواقع ليس لديه مؤهلات رسمية.
ليونيل:
إنها حقيقة. أنا لست طبيباً ونعم، لقد مثلت قليلاً، ألقيت الشعر في الحانات ودرست اللغة في المدارس. عندما جاءت الحرب العظمى، كان أولادنا يتدفقون من الأمام، مصابون بالصدمة وغير قادرين على الكلام، وقال أحدهم ليونيل، أنت جيد جدًا في اللقان. هل تعتقد أنك يمكن أن تساعد هؤلاء الفقراء. قمت بعلاج العضلات والتمارين الرياضية والاسترخاء ولكني كنت أعلم أنني يجب أن أعمق. صرخ هؤلاء الشباب الفقير في خوف، ولم يكن أحد يستمع إليهم. كانت وظيفتي هي إيمانهم بصوتهم وإخبارهم بأن صديقًا كان يستمع. يجب أن يقرع بعض الأجراس معك بيرتي؟
بيرتي: أنت تعطي رواية نبيلة عن نفسك.
ليونيل: يمكنك إجراء تحقيقات. و هذا كله صحيح.
بيرتي: استفسارات و تحقيقات قوية قد بذلت!و ليس لديك فكرة عن كم الضغوطات التي علي. أنا ضمنت لك وليس لديك أوراق اعتماد.
ليونيل: لكن الكثير من النجاح! لا يمكنني أن أريك شهادة. كل ما أعرفه، أعرفه بالتجربة. وكانت تلك الحرب بعض الخبرة.هذا هو الشيء: كل ما أعرفه، أعرفه بالتجربة.
فسرت أن المعالج كان يعامل الملك بشدة لأنه لم يكن لديه ما يخسره لم يكن يخشى على سمعته العلمية أو شهاداته اعتمد فقط على خبرته وشجاعته. لو كان المعالج صاحب شهادات و أسلوب تقليدي في العلاج كان سيفشل في علاج الملك لأنه كان سيركز علي فقط علي تمارين التخاطب ويتعامل مع الملك بشكل رسمي ويتبع تعليمات حاشية الملك. لقد عالجه نفسيًا قبل أن يعالج مشكلته في الكلام لقد أعاد ثقة للملك بنفسه وحفزه.
في النهاية أختم المقال بهذا الحوار
الملك جورج السادس: اسمعني! استمع لي!
ليونيل لوجو: لماذا أضيع وقتي في الاستماع إليك؟
الملك جورج السادس: لأن لدي صوت!
د. ابراهيم مجدي طبيب نفسي معالج – القاهرة