أثارت حالات انتحار حدثت مؤخراً في مجتمعنا العربي قلقاً لدى المواطنين، وسط تكتم من العائلات والجهات المسؤولة بشأن عددها والأسباب التي دفعت إليها، خاصة في ظل مجتمع محافظ في عاداته وتقاليده، ومتشدد لديناته التي تحرم هذا الانتحار وتعتبره كفراً.
فالانتحار يعد علمياًعدواناً تجاه الداخل بحيث تصبح الحياة مريعة ومرعبة ولا يوجد حل لدى المنتحر سوى الانتحار.
الانتحار كما هو معرف علمياً يعني التخلص من النفس عمداً، وقد اختلفت الآراء حول مسألة هل يعكس الانتحار شجاعة صاحبه أم أنه نتاج جبنه وفشله في علاج مشاكله ومواجهتها أم هو وراثة جينية؟
اقرأ: د. وليد ابودهن: تحذيرات ونصائح بعد رسم التاتو
لكن وخلافاً للاعتقاد السائد بأن الإنسان عادة ما يواجه هذه الحالة في فترة متقدمة من حياته، أظهرت دراسة حديثة نُشرت، أن التفكير في التخلص من الذات قد يبدأ في وقت مبكر جداً من الحياة، حيث يمكن أن يبدأ المراهقون في التفكير في الانتحار في فترة الدراسة الثانوية أو حتى قبلها.
التفكير في الانتحار
أظهرت نتائج الدراسة أن قطاعاً كبيراً من المراهقين فكروا في الانتحار بل وحاولوا فعلاً الشروع في ذلك قبل الالتحاق بالدراسة الثانوية، ووجد الباحثون أن الانتحار في مرحلة المراهقة والطفولة مرتبط بشكل وثيق بالاكتئاب لدى المراهق في وقت تنفيذ عملية الانتحار.
وأوضحت الدراسة أن المرضى الذين ينتهي بهم المطاف بالمرض النفسي أو المرض العقليين تبدأ الأعراض لديهم مبكراً منذ مرحلة الدراسة الإعدادية، وهو الأمر الذي جعل الدول المتقدمة تبدأ برامج الصحة العقلية والعلاج النفسي مبكراً وقبل مرحلة الدراسة الثانوية.
أعباء نفسية
كانت الدراسة قامت برصد التاريخ المرضي لهؤلاء الأطفال في الوقت الذي حاولوا فيه الانتحار ومقارنته بما يعرف بمؤشر الاكتئاب (Depression Scores CCC)، وتبين أن التفكير في الانتحار يزيد في الأوقات التي يزيد فيها مؤشر الاكتئاب، أي في الفترات التي يعاني فيها المراهق من الإحباطات النفسية المختلفة، وهو الأمر الذي يجب أخذه بمنتهى الجدية وعدم إهماله، حيث أن عواقبه شديدة الخطورة، ويمكن تفاديها إذا تنبه الآباء للصحة النفسية لأبنائهم.
اقرأ: د. وليد ابودهن: آلام الظهر وأهمية الفراش
من المعروف أن مرحلة المراهقة من أكثر مراحل العمر التي تضع أعباءً نفسية على الإنسان، وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل في التحول إلى شاب بالغ، حيث التغيرات الفسيولوجية الكثيرة التي تحدث للمراهق والتي تصاحبها بالضرورة تغيرات نفسية، حيث يسيطر القلق والحيرة على حياة المراهق ويعاني من عدم التكيف المجتمعي، فضلاً عن النضج الجنسي ويميل إلى التصرف كشخص ناضج ويميل إلى البعد عن النصائح، خصوصاً من الأب والأم في كيفية التصرف في حياته.
ويحاول المراهق في هذه السن الاعتماد كلياً على النفس، لكن بالطبع تنقصه الخبرة الحياتية، وحتى في حالة اللجوء إلى الأصدقاء ممن هم في مثل سنة، وهم ناقصو خبرة أيضاً، وكذلك يميل المراهق إلى تجربة أشياء كثيرة تعتبر من الممنوعات، إذ يظن أن هذه التجارب تدخله إلى عالم البالغين مثل التدخين أو شرب الكحوليات أو حتى تعاطي المخدرات، وتبعاً لهذه الدراسة فإن انتحار المراهقين يمثل ظاهرة شديدة الخطورة، خصوصاً في المجتمعات الغربية، ويمثل الموت من الانتحار في الفئة العمرية من 15 وحتى 24 عاماً، ثالث أهم سبب للوفاة بعد التعرض للحوادث والموت نتيجة للعنف.
اقرأ: د. وليد ابودهن: اسباب الشعور بالبرد
وبينما تبلغ نسبة محاولات الانتحار للفتيات ضعف محاولات الأولاد، فإن نسبة الوفيات أو المحاولات الناجحة للانتحار لدى الأولاد تبلغ أربعة أضعاف الفتيات، ربما لأن الأولاد يلجأون إلى طرق قاتلة أكثر مثل استخدام الأسلحة النارية في حالة توافرها أو القفز من على ارتفاعات أو الشنق، بينما تميل الفتيات لاستخدام طرق أخرى مثل تناول جرعات زائدة من الأدوية أو محاولة قطع شرايين اليد.
فئات خطرة
ومن الضروري معرفة المراهقين الأكثر عرضةً من غيرهم لمحاولات الانتحار، حيث إن المراهق المحاط بالاهتمام العائلي والأصدقاء والتنشئة الدينية، يستطيع أن يتغلب على المشاكل النفسية التي تواجهه، ولعل الفئات الأكثر خطورة للتعرض لمحاولات الانتحار هم من:
– الذين يعانون من الاكتئاب والإحباط النفسي (وفي حقيقة الأمر أن 95 في المائة من الذين يحاولون الانتحار يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية).
– المراهقون الذين يتناولون الكحوليات والمخدرات أو الأدوية المخدرة.
– الذين يشعرون بعدم القيمة واليأس نتيجة لتكرار الفشل في شيء معين مثل الفشل الدراسي أو في علاقة عاطفية.
اقرأ: د. وليد ابودهن: التأمل والاسترخاء مفتاح السعادة والصحة
– كذلك الفقر والبطالة أيضاً من الأسباب المهمة في المجتمعات التي تكون فيها الطبقية واضحة وجلية، وكذلك التغيرات الثقافية المتسارعة وعدم قدرة الأفراد على التكيف معها.
– كل من لديهم تاريخ عائلي، حيث تزيد نسبة الاكتئاب عند المراهقين الذين سبق وتعرض أحد والديهم للاكتئاب أو محاولة انتحار، حيث يمكن أن يكون هناك عامل جيني وراثي يزيد من فرص الإحباط النفسي.
– المراهقون الذين سبق لهم محاولة الانتحار من قبل يكونون عرضة أكثر من غيرهم لمعاودة المحاولة.
– الذين تعرضوا لمحاولة اعتداء سواء كان الإعتداء جسدياً أو جنسياً.
اقرأ: د. وليد ابودهن: تأثير الموسيقى السحري على صحة الإنسان
علامات تحذيرية: هناك علامات تحذيرية يجب على الآباء ملاحظتها بالنسبة لمن يفكر في الانتحار مثل:
– الحديث المتكرر عن رغبته في الموت أو أنه سوف يموت قريباً أو التحدث عن الموت بشكل عام.
– الابتعاد عن الأسرة والأصدقاء والعزوف عن المشاركة في الأنشطة والأحداث التي كان يعتاد القيام بها.
– وجود صعوبة في التركيز والتفكير السليم وتغير سلوك الأكل والنوم.
– سلوك مسلك مدمر مثل إدمان الكحوليات أو المخدرات أو القيادة بسرعات كبيرة.
– أيضاً يرى أصحاب النظرية البيولوجية أن السبب يعود إلى مستويات منخفضة من مادة السروتونين حيث أثبتت ذلك، التشريحات التي عملت على المنتحرين.
اقرأ: د. وليد ابودهن: رائحة الجسم الكريهة ما أسبابها وما العلاج والوقاية
يجب على الآباء أن يراقبوا بدقة هذه التغيرات والتدخل لحماية المراهق ومحاولة احتوائهم وفتح قنوات حوار بينهم وبين المراهق، خصوصاً إذا كان المراهق يثق بأبويه، وعدم التقليل من مشاكله مهما كانت تبدو صغيرة وغير مؤثرة. وعلى سبيل المثال فقد لا يبدو الفشل في علاقة عاطفية أو خسارة صديق مقرب، مشكلة كبيرة بالنسبة للآباء، لكن يجب إشعاره بأنهم مقدرون لحجم معاناته لأن التقليل من حجم المشكلة وإشعاره بالتفاهة يضاعف من أحزانه واكتئابه وبالتالي يزيد المشكلة.
اقرأ: د.وليد ابودهن: توازن طاقات الجسد ال 4
اقرأ: د. وليد ابودهن: حلق السرة هل هو خطير؟
Blue Whale 50 Challenges Game تثير لعبة (الحوت الأزرق) الذعر لدى عدد من الحكومات والجهات المختصة بعد أن أدّت في روسيا تحديداً الى دفع 130 مراهق نحو الانتحار.
تستند اللعبة على قواعد غريبة، فعندما يسجَّل المراهق في اللعبة يبدأ بتلقي الأوامر عبرها، مثلاً، تطلب منه أن يشاهد أفلام الرعب بشكل مستمر والاستيقاظ من النوم عند الـ 4:20 فجراً يومياً، ووخز القدم والمعصم بالإبر أو السكين أو أي أداة حادّة لرسم صورة حوت عليها، وفي اليوم الـ 50 من الاشتراك باللعبة يُقدم اللاعب على الانتحار، وعليه أيضاً ان يرسل دليلاً بالصورة على انه ينجح في كل التحديات.
يجب على الآباء احتواء أبنائهم وإشعارهم بالحب وبث القيم الدينية والخلقية لحمايتهم من أخطار الاكتئاب والإحباط.
د. وليد ابودهن