نص الكلمة: “مواطني الأعزاء، لسنة خلت أعلنا بدء ذكرى مئوية لبنان الكبير، وكان مقررا أن تكون انطلاقة نشاطات ثقافية وفنية تخبرعن لبنان، لبنان الحضارة، لبنان الثقافة، لبنان القيم، لبنان المنتشر في كل أصقاع الأرض، لبنان التنوع والعيش الواحد، وأيضا لبنان النضال والمعاناة، لبنان الألم والأمل. ولكن، للأسف، فإن هذه السنة قد حفلت بأزمات غير مسبوقة وبالكوارث، فلم تترك مجالا لأي ومضة فرح. ومع ذلك يبقى الأمل، الأمل بتغيير حقيقي يمكن وطننا من النهوض مجددا.
مئة عام مرت على قيام الدولة لبنانية، على إعلان دولة لبنان الكبير. صحيح أن مقاربات اللبنانيين لهذا الحدث التاريخي مختلفة وأحيانا متناقضة، ولكن، تبقى شهادة للتاريخ والحقيقة أن إعلان دولة لبنان الكبير شكل النواة لقيام وطننا بحدوده الحالية بعد أن أعاد له ما سلخ منه، كما أمن له اعترافا دوليا ثمينا في حينه.
وللأمانة التاريخية أيضا أنه، ومع انطلاقة لبنان الكبير بدأت مداميك الدولة تتركز، بمساعدة من السلطات الفرنسية؛ فكل المؤسسات والتنظيمات الإدارية والمالية والقضائية والأمنية وضعت أسسها في تلك الحقبة، وكذلك الدستور اللبناني.
ايها اللبنانيون، نحن اليوم على أبواب المئوية الثانية من عمر دولتنا اللبنانية، ولا بد من مراجعة حساب صادقة وصريحة، وخصوصا أن المئوية الأولى، وإن كانت قد عرفت بعض حقبات من الازدهار والنهضة الاقتصادية والثقافية والمؤسساتية، إلا أنها وبمجملها كانت زاخرة بالخضات والأزمات والحروب، لم يعرف فيها شعبنا استقرارا حقيقيا ولا الاطمئنان إلا لفترات قصيرة تشبه الهدنة ما بين أزمة وأزمة. فأين الخلل؟ هل هو فينا أم في نظامنا أم في محيطنا أم في قدرنا؟
خصوصية المجتمع اللبناني أنه تعددي متنوع، وفي ذلك ميزة حقيقية إن أحسنت الإدارة، وقد ارتأى أجدادنا صيغة للعيش معا كان أساسها احترام الآخر، واحترام حقه في الوجود السياسي، نجحت الى حين الى أن خنقتها التقلبات السياسية في المنطقة والتي أشعلت حروبنا وحروب الآخرين على أرضنا. حتى كان اتفاق الطائف الذي صار بجزء منه الدستور الجديد وله نقاط قوة كما له نقاط ضعف تنبري أمامنا لدى كل استحقاق.
اليوم لبنان في أزمة غير مسبوقة، حيث انفجرت تراكمات عقود في السياسة، في الاقتصاد، في المال وفي الحياة المعيشية. فهل حان الوقت للبحث بصيغة جديدة أو باتفاق جديد؟
شباب لبنان ينادون بالتغيير، أصواتهم تصدح في كل مكان تطالب بتغيير النظام، فهل نصغي اليهم؟ هؤلاء الشباب هم لبنان الآتي، ولأجلهم ولأجل مستقبلهم أقول نعم حان الوقت.
إن التعددية مصدر غنى إنساني وثقافي وقيمي، وهي التي جعلت من لبنان رسالة وأرض لقاء وحوار، فهل نسمح بأن تنقلب الى محرك للتفرقة والانقسام؟ إن النظام الطائفي القائم على حقوق الطوائف وعلى المحاصصة بينها كان صالحا لزمن مضى، ولكنه اليوم صار عائقا أمام أي تطور وأي نهوض بالبلد، عائقا أمام أي إصلاح ومكافحة فساد، ومولدا للفتن والتحريض والانقسام لكل من أراد ضرب البلد.
نعم هناك حاجة لتطوير النظام، لتعديله، لتغييره. سموها ما شئتم، ولكن الأكيد أن لبنان يحتاج الى مفهوم جديد في إدارة شؤونه، يقوم على المواطنة وعلى مدنية الدولة. إن تحول لبنان من النظام الطوائفي السائد الى الدولة المدنية العصرية، دولة المواطن والمواطنة، يعني خلاصه من موروثات الطائفية البغيضة وارتداداتها، وخلاصه من المحميات والخطوط الحمر والمحاصصات التي تكبل أي إرادة بناءة وتفرمل أي خطوة نحو الإصلاح.
لبنان واللبنانيون يستحقون بعد طول المعاناة دولة تكون فيها الكفاءة هي المعيار، ويكون القانون هو الضامن لحقوق الجميع بالتساوي، والانتماء الأساس هو للوطن وليس لزعماء الطوائف.
هذه الدولة هي مطلب شعبي، أصوات الشباب في الساحات تطالب بها، فهل تلتقي عليها الإرادات السياسية وتبحث جديا آلية الوصول اليها؟
أيها اللبنانيون، حتى يكون الأول من أيلول من العام 2020 تكملة للأول من أيلول من العام 1920، ولأنني مؤمن أن وحدها الدولة المدنية قادرة على حماية التعددية وصونها وجعلها وحدة حقيقية، أدعو الى إعلان لبنان دولة مدنية، وأتعهد بالدعوة الى حوار يضم السلطات الروحية والقيادات السياسية توصلا الى صيغة مقبولة من الجميع تترجم بالتعديلات الدستورية المناسبة.
أهلي، هي أرضنا، هو وطننا، ومهما اشتدت الصعوبات سنبقى هنا وسنبقى معا، وسيبقى لبنان، من مئوية إلى مئوية، وطن كل اللبنانيين، وطن الأرز الخالد. عشتم وعاش لبنان!”.