كمال جنبلاط
كمال جنبلاط

في كتاب المفكر اللبناني الكبير كمال جنبلاط (فلسفة العقل المتخطي – فلسفة التغيير – الجدليات) الذي أهداه للشباب الواعي الذي وصفه بأنه عنصر الحيوية والتجدد في كل مجتمع وإلى العامل الذي يعملُ صامتاً لكفاف يومِه ولكنه لا يعلم أنه يبني المجتمع والحضارة، وإلى الفلاح الذي هو حلقة حلقة الإتصال بين الأرض والجنس البشري الحي.

وتحت عنوان: (الإنسان وليد أجيال سابقة وهناك أربع طبقات في النفسية البشرية) كتب:

الإنسان ليس وليد جيل من الأجيال، وكل فرد ليس وليد اللحظة التي يخلق فيها، حسب العلوم النفسية الحالية. وكما تحصل الوراثة من جسد إلى جسد، بصفات معينة، يقررها قانون الوراثة.

اكتشف كبار العلماء من (يونغ) وغيره أن هناك طبقات للنفس البشرية، ويسمون أول طبقة (الباطن الفرد) L’inconscient individuel، والتي تتكون من أعمالنا وتفكيرنا في الحياة ومن بعض نزعاتنا، ويمكن أن تكون آتية من تراث سابق لجهة والدينا. (الأبناء يرثون أهلهم بالعقل والسلوك والأعمال)

هناك باطن فردي لكل أعمالنا وتفكيرنا ونزعاتنا، لأننا إذا حلّلْنا حياتنا النفسية نرى أنه لا يمكن أن نفكر إلا بفكرة واحدة، ومن ثم تزول الفكرة. وإن معظم افكارنا، بخاصة بالنسبة لعامة الناس، هي أفكار لا يمكن السيطرة عليها، فلسنا نحن الذين نأتي بالأفكار ونجعلها تولد، بل هي تأتي من تلقاء نفسها. الناس يعتقدون أنهم يسيطرون على أفكارهم وفي الحقيقة فأن أفكارهم هي التي تسيطر عليهم، أو باطن أفكارهم هو من يسيطر عليهم.

  • الباطن الجماعي

ويقول جنبلاط عن العقل الثاني أن راء هذا الباطن الفردي باطن جماعي (أعتقد أنه قصد الذاكرة الجماعية) والباطن الجماعي يمثل الجماعة بتراثها وتاريخها وكأن هذا التراث يتجمع ويتكدس في بذور، في باطن الإنسان وراء الباطن الفردي، في طبقة ثانية.

الباطن الجماعي يكوّن خصائص كل شعب من الشعوب، بخاصة إذا كنا شعباً تراثياً، (أي يرث ولا يجدد) فنحن نرث هذه الخصائص، نرث هذا الباطن الجماعي، كما نرث بعض صفات أمهاتنا وأبائنا.

هذا التراث يتشخص ويتقمص فينا بالمعنى الصحيح للكلمة ومنذ آلاف السنسن، فهو ليس تراث جيل أو قرن سبق، ويمكن أن نرى قسماً من هذا التراث يرجع إلى عهد الحيوان الذي خرجنا منه.

تيار الحياة يتشخص في الفرد لكن يتجاوزه، وعندما يتشحص في الفرد يفرغ في هذا القالب الذي له حياة محدودة بين الولادة والموت، كل محتواه الماضي. ونحن كأفراد وبالمعنى الصحيح للكلمة، نحن تَقَمُص للحياة الخالدة على وجه الأرض، والخالد فينا هو حقيقة روح الحياة لا أكثر.

  • الباطن الكوني

وراء هذا الباطن الجماعي هناك باطن ثالث، طبقة ثالثة أعمق، ويسمونها الباطن الكوني الشامل للإنسان، L’inconscient Universel.

هذا الباطن يجعلنا نفهم على بعضنا لأن في هذا الباطن تجسدت واستبطنت جميع المقولات والمعايير الثابتة التي يرتكز عليها عقل الانسان.

وفي النهاية علينا أن نقول: إن عقل الإنسان واحد للمجموعة البشرية كلها، من هذه المواجهة. ولو لم تكن هذه المعايير واحدة لما كان أحدٌ يفهم على الآخر، وما كنا نستطيع التفاهم إلا بواسطة اللغات ولا بواسطة الإشارات ولا بواسطة أي شيء آخر. هذه المعايير والمقولات ثابتة في النهاية لا تتغير ولا تتبدل، أحياناً نكتشفها من خلال المنطق، لأن المنطق في الحقيقة هو تعبير عن بعض هذه المقولات، وهو ذاته في جوهر معظم الشعوب.

ويذهب العلماءُ المصريون إلى أبعدِ من ذلك إذ يعتبرون أن هناك لغة هي (اللغة الأم)، اللغة – الجذر هي وراء تصورنا للمفاهيم التي نعبر عنها في لغاتنا المختلفة والعادية. فعندما أفهم على أنسان فإني أعود وأتجاوز الكلمات، حيث تزول في وقت من الأوقات في طبقة من العقل الباطني، ولا يبقى منها شيء كجسد لها. هيكلية الكلمة تزول ولا يبقى إلا المعنى هذا المعنى الذي نعبّر عنه في جميع اللغات، وهذا المعنى بدوره يدخل في قالب هيكل جديد هو اللغة الأخرى، كأن نقول (كرسي) بالعربية و(Chaise) بالفرنسية. وهذه اللغة – الجذر التي هي وراء الجميع، هي إحدى الصفات الشاملة للإنسان كإنسان. هي إحدى المميزات الشاملة للإنسان كإنسان. هذا الباطن الشامل الإنساني أيضاً موجود ولولا وجوده لما كنا اكتشفنا في علم الحساب ما يثسمى بـ Les Universeaux ولما كان ارتفع فينا الفكر إلى تحديد الفصائل والأجناس بهذا الشكل المطلق.

  • الذات المجردة من الصفات

وراء هذه الطبقات الثلاث، أي الباطن الفردي والباطن الجماعي والباطن الإنساني الشامل، فإن دخلنا إلى حجرة النفس خلف هذه الطبقات، نصل إلى الشيء الذي يقول عنه عالم الأحياء البريطاني (شرنغتون) السير تشارلز سكوت شرينغتون (Charles Scott Sherrington 27 نوفمبر1857 ـ 4 مارس1952 عالم بريطاني بحث في مجالات الفزيولوجيا العصبيةوعلم الأنسجةوعلم الأحياء الدقيقةوعلم الأمراض) والذي يتفق معه معظم العلماء، وهو (بالذات المجردة عن كل الصفات) والتي تتلبس هذه الطبقات أو هذه الطبقات تضتف إليها. إن ذهبنا للأخير يكون الإنسان قد تجاوز هذه الطبقات كلخا، واصبح إنساناً بكل معنى الكلمة، ولا يعود يتصف لا بشيء كوني ولا بصفات اجتماعية ولا بصفة فردية. ولن اذهب بهذا التحليل بعيداً إنما فقط حاولت إكمال تحليلي وهو تحليل علمي تماماً، كما يرشدنا إليه اليوم جماعة العلماء في برنستون ويقولون في هذا الموضوع ما قاله الفيلسوف اليوناني سقراط تماماً دون تغيير، أو ما قاله اي صوفي إسلامي عارف، أو اي حكيم في الهند أو في الصين.

نخلص إلى أن الإنسان الذي نشاهده في الحياة ليس هو الكينونة البشرية المجردة عن كل صفة، يعني الذات، بل هو الكينونة التي أثضيفت إليها جميع هذه الصفات، وتوحد مع الفكر والجسد ومع هذه الطبقات من الفكر. نحن أمام نفس وليس أمامنا ذات، لأن الذات ليس لها مكان كما يقول ذلك أيضاً (شرينكتون)، ولا يمكن حصرها في مكان، والمكان يتجلى في مستوى الصورة الحسية، والفكر لا نستطيع حصره بمكان بل يمكننا أن نحصره بزمان، أما الذات فلا نستطيع حصرها لا بمكان ولا بزمان.

  • الإنسان الكائن لا يمكن عزله عن تراثه

الإنسان الكائن لا يمكن عزله عن تراثه، من وجهة تشخصه التاريخ، وهذا التراث يدخل في تكوينه البيولوجي والنفسي. فالشعوب لها خصائص لا يمكن أن تنفصل عنها، مهما تبدلت فيها الأنظمة.

  • سيطرة الباطن الجماعي

عندما نريد دراسة عميقة فعلية للموضوع عن سبب سيطرة النظام الجماعي في هذا البلد ولماذا في ذاك البلد يسيطر نظام الحرية؟ فيجب أ نحلل الموضوع على هذه الشاكلة، علاوة على أن هناك قاعدة مادية للحرية السياسية، وهي علاقة الأوضاع الإقتصادية والمادية بظهور وسيطرة الحرية السياسية، خصوصاً غذا كانت أوضاع التجارة والخدمات التي تشكل العنصر المسيطر والمهيمن (علاقة الأوضاع الجغراسية بشكل عام) على الإنسان. كذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار ما اسميته بالباطن الجماعي الذي يسيطر علينا عنوة، ويجعلنا نقبل بأنظمة لا تقبل بها شعوب أُخرى!؟ لا يمكن مقابلة شعب بشعب آخر، كل شيء نسبي على وجه الأرض.

قسم التحقيقات – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار