يتوجب معرفة مصدر متحور فيروس كورونا التالي حتى يمكن مواجهته، فبالنسبة إلى متحور أوميكرون، لا تزال الإجابة على سؤال حول كيفية ظهور متحوّر مختلف تمامًا عن المتحورات التي سبقته فجأة، لغزًا محيرًا.
وقال ميهول سوثار، عالم الفيروسات في جامعة إيموري: “عندما بدأت سلالة الفيروس بالتفشي للمرة الأولى، كان من الصعب بالنسبة إلي استيعاب مدى انتشاره”.
ثم ظهر BA.2، المتحور السريع الانتشار من متحور “أوميكرون”، والسائد حاليًا في الولايات المتحدة.
الفيروسات تتغير طوال الوقت، وغالبًا بطرق تضر بفرصها للبقاء على قيد الحياة، لكن يمكن لهذه الطفرات بين حين وآخر، أن تعمل لصالح الفيروس.
وكان الدكتور مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، أوضح خلال مؤتمر صحفي عقد في مارس/ آذار الماضي أنّه: “خلال عملية تكاثر الفيروس، تقع أخطاء أثناء إعادة إنتاج الشيفرة الخاصة به، وينتج عن هذه الأخطاء غالبًا، فيروس غير كفؤ أو ميت”.
لكن من النادر أن تمنح هذه الحوادث الفيروس ميزة، تجعله يصبح أكثر انتشارًا، أو ربما أفضل بالتهرّب من مناعتنا المكتسبة.
وأوضحت سارة كوبي، الأستاذة المساعدة بعلم البيئة والتطور في جامعة شيكاغو، بمقال رأي نشر في صحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع، أنّ قابلية انتقال فيروس كورونا ستصل إلى الحد الأقصى في النهاية.
رغم ذلك، من المحتمل ألا يتوقف الفيروس عن التطور بطرق تتجنّب استجابتنا المناعية.
وقالت كوبي لـCNN إنّه “قبل ظهور أوميكرون، أعتقد أنّ معظم الناس العاملين في هذا المجال قالوا إننا سنشهد هروبًا مناعيًا من خلال تراكم هذه الطفرات الواحدة تلو الأخرى”.
ومع مرور الوقت، وتسجيل مئات الإصابات، تبيّن أن الفيروسات المنتشرة تبتعد أكثر فأكثر عن سابقاتها على الشجرة التطورية، وهي عملية تعرف باسم الانجراف المستضدي.
وقالت ماريتغي فنتر، الأستاذة بقسم علم الفيروسات الطبية في جامعة بريتوريا، جنوب إفريقيا، إنه من غير المرجح أن يؤدي “التغير البطيء” إلى ظهور أوميكرون.
هذا يعني أن الفيروس تطور تدريجيًا في مجتمع لم يخضع فيه للمراقبة، وأشارت إلى أن جنوب إفريقيا، حيث تم تحديد العديد من عينات أوميكرون المبكرة، تتمتّع ببرنامج مراقبة جيد.
وبالتالي، كان من الصعب على متحور مثل أوميكرون التسلل ببطء، عوض ذلك، بدا ظهوره مفاجئًا بشكل غريب.
وأضافت فنتر: “اختفى متحوّر دلتا تقريبًا، وفجأة رأينا أوميكرون الذي كان مختلفًا تمامًا”.
وحدد الباحثون في شركة Helix التي ساعدت فحوصها على تتبع عدد من المتحورات، عددًا قليلًا من الأشخاص المصابين بمتحور دلتا – أوميكرون مجتمعين في الولايات المتحدة، بين نحو 30 ألف عينة من فيروس كورونا، بين أواخر نوفمبر/ تشرين الأول ومنتصف فبراير/ شباط، في الوقت الذي كان ينتشر فيه كلي المتحورين.
وبين تلك العينات، حدد الباحثون 20 حالة أصيب فيها الأشخاص بكلي المتحورين في نفس الوقت، وأظهرت إحدى هذه العينات بعض الأدلة على أن المتحورين قد تبادلا الجينات، وإن بمستويات منخفضة، إلى ذلك، وجد الباحثون حالتين غير مرتبطتين، مرد إصابتهما إلى فيروسات هجينة.
وكتب الباحثون: “لا يوجد دليل حاليًا على أن فيروسا دلتا-أوميكرون اللذين تم تحديدهما، أكثر قابلية للانتقال مقارنة مع طفرات أوميكرون المنتشرة”.
وقالت ماريا فان كيركوف، الخبيرة التقنية المعنية بمكافحة كوفيد-19 لدى منظمة الصحة العالمية، من خلال تصريح بشهر مارس/آذار الماضي: “نحن لا نطلق عليه اسم دلتا كرون”.
في ذلك الوقت، قالت فان كيركوف إن هذا المزيج يبدو وكأنه ينتشر “بمستويات متدنية جدًا”، لكنها حذرت بأنه يجب علينا إجراء المزيد من الفحوصات للحصول على صورة أوضح عن انتشاره أو عدمه.
رغم ذلك، أدت القدرة على تبادل الجينات إلى عودة ظهور فيروسات متعددة، وعلى رأسها الإنفلونزا.
تتكون المادة الوراثية للإنفلونزا من أجزاء متعددة من الحمض النووي الريبيوزي، التي يمكن أن تتحرك عندما يصيب فيروسان الخلية نفسها، ويُعرف ذلك باسم إعادة تشكيل الفيروس.
وأوضحت كوبي أن فيروس كورونا “يمكنه في الواقع أن يفعل شيئًا يصعب فهمه”، في إشارة إلى عملية تبادل الجينات والتي تسمى إعادة التركيب الجيني.
ويبدو أن الرأي الأكثر شيوعًا يتضمن عدوى تستمر لفترة طويلة لدى شخص يعاني من نقص في المناعة.
وقالت فنتر إن هؤلا الاشخاص يطورون أجسامًا مضادة بالفعل، لكنهم لا يتخلصون من الفيروس.
ويمنح ذلك الفيروس متسعًا من الوقت لتجميع التغييرات، التي من المحتمل أن تمكنه من تفادي الأجسام المضادة عند الشخص المصاب واكتساب مقاومة مناعية.
وأضافت فينتر أن هناك نظرية أخرى تُعرف باسم الأمراض الحيوانية المنشأ العكسية، التي ينتقل الفيروس بموجبها من البشر إلى مجموعة من الحيوانات، حيث يراكم طفرات جديدة قبل العودة مرة أخرى إلى البشر.
وقالت كوبي إن “معظم مسببات الأمراض التي تصيبنا بشكل متكرر قادرة على فعل ذلك لأنها تتهرب من مناعتنا الجزئية تجاه السلالات المعدية السابقة”.
المصدر: سي ان ان العربية