رأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن أزمة منطاد التجسس الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة في الرابع من فبراير الجاري ليست بجديدة على العلاقات بين القوتين العظميين، بل إنها قد أعادت إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة بين البلدين، خلال القرن الماضي.
ووفقًا للمجلة، شهدت هذه الفترة عددًا لا بأس به من المهام السرية التي لم تقتصر على مهام التجسس فحسب، بل تضمنت أيضًا عمليات تخريبية من جانب الولايات المتحدة ضد الصين تحت حكم ماو تسي تونج، كعملية “Operation Tropic” التي نفذتها الولايات المتحدة في أوج الحرب الكورية في محاولة لتقويض المجهود الحربي الصيني بدون الانخراط في حرب فعلية على الأراضي الصينية.
وأوضحت المجلة أنه حتى بعد وقف القتال خلال الحرب الكورية عام 1953، استمرت المخابرات الأمريكية (CIA) في شن ودعم مجموعة من العمليات الجوية السرية داخل البر الصيني الرئيسي؛ وكانت جزيرة تايوان تحت حكم شيانج كاي-شيك، العدو اللدود للحزب الشيوعي الصيني، مركزًا لتنظيم مثل هذه الأنشطة، التي كانت الإدارة الأمريكية تحرص على ضمان إمكانية نفي تورطها فيها.
وأشارت إلى استغلال واشنطن الأحلام التي كانت تراود شيانج للإطاحة بماو والاستيلاء على البر الصيني الرئيسي، إذ لم يمانع شيانج تنفيذ عميات سرية بطائراته عبر مضيق تايوان لإلقاء منشورات على بعض المدن الصينية أو إطلاق مناطيد مُسيَّرة تحمل موادًا دعائية مناهضة للحزب الشيوعي؛ ومع بداية منتصف الخمسينيات، بدأت واشنطن تركز على عمليات التجسس، بدلًا من الأنشطة التخريبية.
وأرجعت المجلة هذا التحول إلى تسليم واشنطن ببقاء ماو في سدة الحكم من جانب، والطفرات التكنولوجية غير المسبوقة من جانب آخر، ممثَّلة في طائرات التجسس الأمريكية من طراز “يو-2” التي يمكن التحليق بها على مسافات مرتفعة قبل ظهور تقنية التصوير بالأقمار الصناعية فيما بعد.
كما أشارت المجلة إلى حرص واشنطن على تدريب مجموعة من الطيارين التايوانيين على استخدام طائرات التجسس الحديثة “يو-2” التي قدمتها لتايوان بناء على رغبة شيانج الذي خسر بعد ذلك عددًا من هذه الطائرات التي أطلق عليها اسم “دراجون ليدي” خلال فترة الستينيات بسبب أنظمة الدفاع الجوي الصينية ومازالت بقايا هذه الطائرات معروضة حتى الآن بمتحف الثورة الشعبية الصينية العسكري.
يذكر أن طائرة مقاتلة أمريكية أسقطت المنطاد قبالة السواحل الأطلسية يوم السبت ٤ فبراير، وذلك بعدما حلق فوق مواقع عسكرية حساسة تخزن فيها صواريخ نووية وقاذفات استراتيجية تحت الأرض، وغرق جزء كبير من الحمولة التي كانت عليه، بما في ذلك الألواح الشمسية الكبيرة على عمق نحو 14 مترًا من الماء بعد إسقاط المنطاد.
العلاقات بين واشنطن وبكين ظلت تتسم بالعدائية بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الكورية عام 1950 حتى زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى بكين عام 1972، حيث استمر الطرفان في رفض اعتراف كل منهما بالآخر، بل وعدم السماح بعقد أي اجتماعات بين أفراد الكادر الدبلوماسي من البلدين.
وحذرت “فورين بوليسي” من أن مثل هذه العمليات السرية تهدد مجددًا بالتحكم في طبيعة العلاقات بين البلدين، كما كان الوضع قبل تطبيع العلاقات بينهما منذ نصف قرن؛ كما رأت أن فرص الانخراط في حوار سياسي بين القوتين العظميين ضئيلة في ظل تفاقم الغضب والشكوك التي تحيط بعمليات تقويض النفوذ من الجانبين.
ونوهت المجلة بأن تنامي النفوذ الصيني هو الفارق الوحيد الذي يميز الوضع الحالي عن الحرب الباردة خلال القرن الماضي.