كنا نتعانق، ومع الوقت تحول العناق إلى مصافحة، فانتقلنا إلى التلويح بيد وحدة، والآن بالكاد نقول مرحبا.
كم من الفوائد خسرنا؟
لمن لا يعرف، تؤكد الدراسات العلمية، أن للعناق فوائد صحية جمة، ومنها تقليل الخوف وأحيانًا القضاء على التوتر والألم.
ماذا بعد:
في تجربتي الشخصية مع العناق، حٌرِمتُ منه منذ الطفولة، إذ لا أذكر أن والدي أو والدتي، ولا حتى جدتي عانقني أحدٌ منهم.
اقرأ: هكذا تعرف المعتل نفسيًا وهنا الأسباب
في الهند، لا يتعانقون، فيلقون السلام على بعضهم البعض، عبر التحية والإنحناء دون مصافحة حتى!
وكذلك في أميركا، وعدد من الدول الذي انتهى فيها العناق، خصوصًا بعد كورونا الفيروس الذي أرعب مليارات البشر.
وألاحظ بعض العائلات من أهل العادات القاسية، في لبنان وغيره كذلك لا يتعانقون.
كل هذا رغم فوائد العناق الكبرى والتي تذكرها الدراسات العلمية فتقول:
اقرأ: أسباب وأعراض اضطراب شرب الكحول – دراسة
1. العناق يقلل من التوتر من خلال إظهار دعمك.
عندما يتعامل أحد الأصدقاء أو أحد أفراد العائلة مع شيء مؤلم أو غير سار في حياتهم، فعانقهم.
يقول العلماء أن تقديم الدعم لشخص آخر، من خلال اللمس، يقلل من التوتر الذي يعاني منه الآخر فيشعر بالارتياح. في إحدى الدراسات التي أجريت على عشرين من الأزواج من جنسين مختلفين، تعرض الرجال لصدمات كهربائية مزعجة. أثناء الصدمات، كانت كل امرأة تمسك بذراع شريكها. فوجد الباحثون أن أجزاء دماغ كل امرأة، المرتبطة بالتوتر، أظهرت نشاطًا منخفضًا، بينما أظهرت الأجزاء المرتبطة بمكافآت سلوك الأم نشاطًا أكبر.
عندما نعانق شخصًا ما لتهدئته، قد تظهر هذه الأجزاء من دماغنا استجابة مماثلة.
اقرأ: أنت خجول أم تعاني من اضطراب القلق الاجتماعي؟ الأعراض والأسباب
2- العناق يحميك من المرض:
تعمل أيضًا تأثيرات العناق التي تقلل من التوتر على الحفاظ على صحتك. وفي دراسة أجريت على أكثر من 400 شخص بالغ، وجد الباحثون أن العناق يقلل من فرصة إصابة الشخص بالمرض.
كان المشاركون الذين لديهم نظام دعم أكبر، يكونون أقل عرضة للإصابة بالمرض.
وأولئك الذين لديهم نظام دعم أكبر والذين أصيبوا بالمرض، كانت لديهم أعراض أقل حدة من أولئك الذين لديهم نظام دعم قليل أو معدوم.
يقول فرانسيس ماكجلون وسوزانا ووكر:
تعمل اللمسة الجسدية اللطيفة على تحفيز “أعصاب العناق” التي تؤدي إلى تغييرات مفيدة في الدماغ.
كل منا يدرك كما أنت زيها القاريء، أن أكثر ما نفتقده في حياتنا هو الحنان.
اقرأ: أسباب وأعراض اضطراب الرغبة الجنسية – دراسة
وللأسف ما عدنا نفهم أهمية اللمس في حياتنا، وما عدنا نقدر أهمية الطبطبة على الأكتاف الصغيرة لطفل مرتعب، حتى أن القوانين في كل العالم الأول تمنع اللمس بل تقاضي من يهم لمساعدة طفلة يتيمة وحيدة تبكي على الشارع العام، وقد يُتهم من اقترب منها ولامس يديها لمساعدتها أو طمأنتها، فيُتهم بالتحرش!
من وضعوا هذه القوانين الجائرة واعتقدوها لصالح حماية الناس، ولصالح أمنهم، لم يهتموا بالسلامة العقلية للإنسان، أو ما نسميه في الشرق بالسلامة النفسية!
ولم يهتموا بمدى حاجة الآخر لأن يكون محبوبًا، ومرغوبًا به من الآخر، ليس بالسمع وحسب، بل باللمس أيضًا.
فقدنا قدرتنا على معانقة الأصدقاء والعائلة، لأن التعميمات الإعلامية غير العلمية عبأت الرأي العام بأفكار سامة تمامًا مثل الدواء الذي يوقف وجع الرأس قليلاً لكن لا يعالج صلب المشكلة التي أدت إلى وجع الرأس.
اقرأ: علامات اضطراب bipolar ثنائي القطب عند النساء وخيارات العلاج
والحمدالله إن القوانين المتبعة في منع اللمس بين العامة، ليست مفروضة على العائلات التي يجب أن تعرف بأن العناق لا يشعرك بالسعادة فحسب، بل إن له أيضًا العديد من الفوائد الصحية.
لماذا نشعر بالأمان والإسترخاء حين يعانقنا أحدهم ونحن في حالة غضب؟
هذا لأن العناق له علاقة بحاسة اللمس لدينا. إنه حاسة مهمة للغاية تسمح لنا ليس فقط باستكشاف العالم من حولنا جسديًا بل أيضًا بالتواصل مع الآخرين من خلال إنشاء الروابط الاجتماعية.
يقول العلماء أنه يوجد نظامين للمس.
الأول: “اللمس السريع”، وهو نظام من الأعصاب يسمح لنا باكتشاف الاتصال بسرعة على سبيل المثال، إذا وقعت جمرة على يدك أو مرت فراشة فوق أنفك.
والنظام الثاني هو “اللمس البطيء”. هذه هي مجموعة من الأعصاب المكتشفة حديثًا، والتي تسمى بالواردات اللمسية، والتي تعالج المعنى العاطفي للمس.
اقرأ: كيف تعالج نفسك من الحزن؟ وإلا تذهب إلى الإكتئاب
3. العناق قد يعزز صحة قلبك
المعانقة مفيدة لصحة قلبك. في إحدى الدراسات، قسم العلماءُ، مجموعة مكونة من حوالي 200 شخص بالغ إلى مجموعتين:
كان لدى إحدى المجموعات شركاء رومانسيون يمسكون أيديهم لمدة 10 أشخاص. دقائق تليها عناق لمدة 20 ثانية مع بعضهم البعض. المجموعة الأخرى كان لديها شركاء رومانسيون جلسوا فيها
الصمت لمدة 10 دقائق و20 ثانية.
أظهر الأشخاص في المجموعة الأولى انخفاضًا أكبر في مستويات ضغط الدم ومعدل ضربات القلب مقارنة بالمجموعة الثانية.
ووفقًا لهذه النتائج، فإن العلاقة العاطفية قد تكون مفيدة لصحة القلب.
اقرأ: د. وليد ابودهن: لماذا نشعر بألم الحزن في القلب وليس في الدماغ؟
4. العناق يجعلك أكثر سعادة
الأوكسيتوسين، مادة كيميائية في أجسامنا يطلق عليها العلماء اسم “هرمون الاحتضان”.
مستويات هذا الهورمون، ترتفع عندما نعانق أو نلمس أو نجلس بالقرب من شخص آخر. يرتبط الأوكسيتوسين بالسعادة وتقليل التوتر.
وجد العلماء أن هذا الهرمون له تأثير قوي لدى النساء. يسبب الأوكسيتوسين انخفاضًا في ضغط الدم وهرمون التوتر النورإبينفرين.
وجدت إحدى الدراسات أن الفوائد الإيجابية للأوكسيتوسين كانت أقوى لدى النساء اللاتي لديهن علاقات أفضل، وعناق أكثر تكرارًا مع من حولهن.
وشهدت النساء أيضًا تأثيرات إيجابية للأوكسيتوسين عندما حملن أطفالهن الرضع عن قرب.
اقرأ: دنيا وإيمي في جنازة والدتهما والحزن لا يوصف! – صور
5. العناق يساعد في تقليل مخاوفك
لقد وجد العلماء أن اللمس يمكن أن يقلل من القلق لدى الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات. يمكن أن يمنع اللمس أيضًا الأشخاص من عزل أنفسهم عند تذكيرهم بفنائهم.
ووجدوا أنه حتى لمس جسم غير حي – في هذه الحالة دمية دب – ساعد في تقليل مخاوف الناس بشأن وجوده.
يجب ألا نتخلى عن العناق إلى الأبد.
اليست العزلة الإجتماعية وبالتالي الوحدة، تقلل من فرص الوفاة المبكرة، كما تقول كل الزبحاث العلمية؟
هذا ما يحدث أيضًا حين تبتعد عن الآخر فترفض عناقه أو الإمساك بيده.
عليك أن تدرك بأن الملامسة لا تفيد الآحر وحسب بل تفيدك أنت زيضًا لأنك مثله بحاجة إلى الإحساس بالأمان وبشحن طاقتك.
بقلم: نضال الاحمدية