في لبنان، نشأناعلى الرحابنة، الذين صنعوا هوية للأغنية اللبنانية، وشكّل الرحابنة مدرسة في السلوك الفني العام اتبعه معظم النجوم، لما حققه الرحابنة من أمجاد وانتصارات، حتى صاروا الحاضر والمرجع.
كان الرحابنة لا يلتزمون أي خط سياسي، علناً على الأقل، وكانوا فوق الانحيازات، والدخول في الخنادق الطائفية، ومرة لم يغنوا لزعيم أو رئيس أو ملك، وكل ما قدموه كانت أغنيات وطنية، للبنان ولبعض الدول العربية، ويقال أنه تمت معاقبتهم من نظام عربي لأنهم لم يغنوا له.
أما الأعمال الفنية السياسية التي قدموها، فلم تكن مباشرة، وتوارت دائماً خلف الحدث التاريخي، أو الأسطوري مثل مسرحية (آخر أيام فخر الدين)، أو (بترا) و(ميس الريم) و(الربيع السابع) والمحطة) وغيرها.
التزم الرحابنة منطقة التهكم النقدي، في الأعمال المسرحية الغنائية، ولم تغنِ فيروز للبنان إلا (بحبك يا لبنان) مع اندلاع الحرب الأهلية والصحيح أنها حرب مذهبية.
بعض النجوم التزم خط الرحابنة في العلاقة مع الأنظمة والساسة والسياسة، وأولهم صباح التي لا أعرف لها أغنية سياسية، أو أغنية لزعيم أو رئيس، ولا أعرف إن كانت غنت لجمال عبد الناصر كما قيل، (من سحر عيونك ياه)، وهي ليست سوى أغنية غرام، من ألحان محمد عبد الوهاب ولا تُعتبر أغنية سياسية ولا ولاء فيها بل كلها غزل.
ومن النجوم من حاد عن الدرب، أولهم الإبن الأقوى على الساحة، زياد الرحباني، الذي تمرّد على أسلوب أمه فيروز، وعمه منصور ووالدهِ عاصي، والتزم سياسياً وأيد وناصر وعلناً وعلى رأس السطح، لكنه لم يغني لأحد حتى اللحظة.
بعض النجوم غنّوا لرؤوساء وزعماء وهذا خيارهم.. البلاد ودندلوا رقابهم.
أول مطربة أدت أغنية سياسية بعد مسرح الرحابنة، وبشكل مباشر جداً، كانت ماجدة الرومي في قصيدة (سيدي الرئيس) التي كتب كلماتها الشاعران اللبنانيان حبيب يونس وهنري زغيب والفكرة لماجدة الرومي التي اتفقت مع الشاعرين على كتابتها في إحدى السهرات في بيتها.
لكن ماجدة مرة لم تقف مع جهة ضد أخرى.. خيارها دائماً كان الحكومة.. السيادة.. الرؤساء الثلاثة من أي جهة كانوا. لمن يرغب بالتعرف على التوجهات السياسية لماجدة الرومي فعلى هذا الرابط أدناه.
مغنية البلاط ماجدة الرومي معروض بيتها للبيع
وبعدها أطلت صبية اسمها جوليا، لم يكن يعرفها أحدٌ، وأحدثت دوياً غير مسبوق في الأغنية الوطنية المقاومة عقب احتلال إسرائيل لأول عاصمة عربية، وغنت جوليا بطرس وغنى معها كل لبنان وكل العرب (منرفض نحنا نموت) كلمات نبيل أبو عبده ألحان شقيقها زياد بطرس وكان ذلك في العام 1985 مع بداية العمليات الانتحارية ضد العدو الصهيوني والمقاومة الوطنية اللبنانية قبل أن تنهزم وتتحول إلى مقاومة إسلامية.
جوليا أكملت الطريق كمغنية ونعت بأعمالها لكنها لم تطلق أغنية سياسية واضحة المعالم إلا في العام 2006 عقب انتصار حزب الله على إسرائيل وغنت أحبائي من كلمات غسان مطر وألحان شقيقها واستوحاها الشاعر مطر من خطاب السيد حسن نصرالله الذي خاطب المقاومين في الجنوب بـ أحبائي وتقول في مطلعها:
(أحبائي.. استمعتُ إلى رسالتِكم، وفيها العِزُ والإيمان.. فأنتم مثلما قلتُم رجالَ الله في الميدان.. ووعدٌ صادقٌ أنتم.. وأنتم نَصرنُا الآتي.. وأنتم من جبالِ الشمس.. عاتيةٌ على العاتي).
وهكذا تكون جوليا قد صرّحت بشكل مباشر ورسمي أنها مع سماحة السيد حسن نصرالله ومع المقاومة إسلامية كانت أم وطنية، ولم تهتم أنها مقيمة مع زوجها في الإمارات ولم تكترث لجمهور يكره المقاومين الأبطال.. ورغم كل مواقفها السياسية الصريحة فلجوليا قاعدة شعبية كبيرة جداً.
وكانت إليسا أطلت لمرة واحدة في تظاهرات العام 2005 وكنا نحن من صورناها ونشرنا الصورة وكانت الفنانة الوحدية بين مجموعات 14 آذار.. وبعدها التزمت الصمت حتى العام 2013 وكانت لا تعلن عن رأيها بشكل مباشر، إلى أن قامت القيامة عليها وظلموها واتهموها أنها تشمت بضحايا التفجيرات في الضاحية الجنوبية، وحوروا كلامها بعد أن أطلت في مهرجانات بيروت العام نفسه، 2013، وقالت كلمة حيّت فيها لبنان المقاوم، مطالبةً بمقاومة بالفن أيضاً، لكن أحد الصحافيين الصغار نقل خطاب إليسا مشوهاً، لجريدة الأخبار السياسية التابعة لحزب الله، التي شنت ضدها حملة صارخة، واتهمتها أنها رفضت التأسف على شهداء أو ضحايا التفجيرات في الضاحية الجنوبية، رغم أن خطاب إليسا كان كالتالي: هيدي أول مرة لن استنكر فيها أو أتأسف، (وقصدت أنه يكفينيا استنكارات ويجب أن نكمل) هم أهلنا لبنانيا وإنسانيا، نحن مقاومة أيضاً كل منا يجب أن يعمل ضمن اختصاصه، انا كمغنية مهمتي ان ازرع الفرح.. ليرحم الله من مات، ولبنان سيبقى وسنغني وانشالله تكون حفلة ناجحة جداً. (قاصدةً أنها ستقاوم ضد التفجيرات والموت).
قامت القيامة، ما استدعى توضيحاً منها مرات عدة، اعتبرت فيه بأن الحياة تستمر وأنها تقاوم من منطلق مهنتها، حيث لم ترغب بإلغاء الحفل آنذاك.
ومنذ العام 2013 انطلقت إليسا تعبر عن مواقفها السياسية عُورفت بولائها للقوات اللبنانية، لكنّها مرة لم تصدر أغنية عن الحزب ولا لدولة، ولا لسمير جعجع، وحيدت إنتاجاتها الغنائية عن مواقفها السياسية.
إليسا لم تهدأ مذاك وما عادت تراعي أحداً وانطلقت تعبر عن آرائها السياسية التي توجتها بإطلالة في برنامج سياسي في عيد الميلاد 2018 مع مارسيل غانم.
جوليا بطرس وإليسا الوحيدتان اللتان أعلنتا عن موقفيهما السياسي، بشكل صريح وغير موارب. جوليا بطرس وإليسا كل منهما في خندق سياسي معادي للآخر لكن كل منهما تحترم الأخرى.
قسم التحقيقات – الجرس
ماجدة الرومي: (سيدي الرئيس) في مصر وبعدها أغنيتان لجوليا وإليسا.. فيديو