تحمّل اللبنانيون كثيرًا منذ ١٩٧٥، وكانوا يرون طبقتهم السياسية تسرقهم وتوعدهم ولا تنفّذ شيئًا، تخدعهم وتحتل أراضيهم وممتلكاتهم، وتستدين من الخارج ولا تستثمر المال في أي من المشاريع التي تعود إيراداتها لجيوبهم لا لشركات السياسيين الخاصة.
منذ ٤٥ عامًا، لم يعش اللبناني يومًا هنيئًا، وكان يسكت لأن زعماءه نجحوا في اللعب على العصب الطائفي عنده، فكلما نوى التغيير كانوا يرعبونه من المواطن الآخر الذي ينتمي لطائفة أخرى، لكي يبقوا على رأس السلطة ويستمتعوا بأمواله فيما كان يموت جوعًا وقهرًا عند كلّ صباح ومساء.
الإعلام اللبناني المرئي ونقصد المحطات التي تُعرض على التلفاز، كان بأغلبيته مملوكًا من هؤلاء السياسيين، وطوال السنوات الفائتة روّج لأفكارهم وخططهم وساهم بتشويه الحقائق، كما فعل الإعلام الأمريكي بالأميركيين عندما أقنعهم بضرورة احتلال العراق وساعد السلطة على الترويج لدعاية امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، ليُفضح كذبه بعد سنوات.
المحطات اللبنانية الشهيرة كانت كالآتي:
- (المستقبل) افتتحها الرئيس الراحل رفيق الحريري في التسعينات، وأطلقت العديد من البرامج الناجحة، لكنه كان يستخدمها دائمًا لمهاجمة رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود الذي بالمقابل وضع يده على تلفزيون لبنان، ورد الهجوم باعتداءٍ أكبر.
- (ال بي سي) كانت تروج باستمرار لخط القوات اللبنانية قبل الخلاف الشهير الذي وقع بين مديرها بيار الضاهر ورئيس الحزب سمير جعجع، وكنا نلحظها تهاجم السلطات السورية التي كانت تحتل لبنان تحت اسم (الوصاية السورية).
- (ام تي في) التي يملكها غابريال المر – وأصبحت اليوم بيد ابنه ميشال- استخدمها غابريال للترويج له أثناء ترشحه للانتخابات الفرعية عام ٢٠٠٠، وأشتُهرت بمهاجمتها للنظام الأمني السوري اللبناني، ما أدى لإغلاقها عام ٢٠٠٢، تحديدًا بعد المقابلة الشهيرة التي أجرتها مع العماد ميشال عون الذي كان منفيًا آنذاك ويقيم في باريس.
- (الجديد) لمالكها مدير الأعمال تحسين خياط (الجديد) التي أُقفلت قسرًا من السلطات السورية عام ١٩٩٦، وأعيد افتتاحها عام ٢٠٠١، وكانت تستهدف الحريري وسياساته المالية، نظرًا للعلاقة السيئة بينه وبين مالكها.
- (ان بي ان) وتتبع لحركة أمل التي يمثلها رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تنتمي (المنار) لحزب الله.
عام ٢٠٠٥ ضجّ العالم باغتيال رفيق الحريري وسط بيروت، وبعده شهد الإعلام اللبناني تغيرًا كبيرًا:
- افتُتحت قناة (او تي في) التابعة لخط التيار الوطني الحر الذي يمثّله رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد عودته من المنفى.
- أقفلت قناة المستقبل بسبب إفلاس سعد الحريري وتمنعت المحطة عن دفع المستحقات المالية للموظفين لسنوات طويلة، بعدما كانت تتصدر نسب المشاهدات وتقدّم أفضل البرامج في عهد والده.
- تراجعت نسب مشاهدات (ان بي ان) التي لم يعد يتابعها أحد من المنتمين لحركة أمل بسبب تراجع جودة برامجها.
- وصلت المنافسة إلى أقصى مستواها بين (ام تي في) و(ال بي سي) على نسب المشاهدة، وصارتا تتبادلان المذيعيْن خلال المواسم من أجل تصدر الـ (rating).
في ١٧ تشرين الأول – اكتوبر – من العام المنصرم، نفذ صبر اللبنانيين الذين قرروا الانتفاضة على الحكام الفاسدين والظالمين، وكأي ثوار في أنحاء الكون كانوا بحاجة لمحطات تنقل صوتهم وتصور مظاهراتهم وتساهم بنشر رسالتهم للعالم الخارجي، لكن النتيجة أتت مخيبة للآمال لأن معظم القنوات لا يمكنها أن تعارض من أسسها أو صديقه أو حليفه، فهل يسقط الإعلام اللبناني مع السلطة؟
القنوات صوّرت المظاهرات والتحركات الشعبية على الشكل الآتي:
- (أو تي في) التابعة للتيار الوطني الحر، و(المنار) التابعة لحزب الله، و(ان بي ان) التابعة لنبيه بري خوّنوا المتظاهرين وشككوا بتحركاتهم واتهموهم بالتمويل من السفارات الأجنبية، وأصبحوا يركزون على نقاط الضعف، يستفزون الناس، ويحاولون تحجيم ثورتهم والإيحاء أن أعدادهم قليلة في الشارع.
- (الجديد) كانت الأقرب للثوار، وبسبب دعمها للانتفاضة قُطع بثها في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض مناطق البقاع، وهوجمت من الجيوش الالكترونية لأحزاب السلطة ووُصفت بالدكانة.
- (أم تي في) غطت التحركات الشعبية بشكل مفصّل، ونقلت أصوات الناس من كلّ الساحات، لكنها كانت تتجنب في البداية نقل التظاهرات أمام مصرف لبنان ضد حاكمه رياض سلامة، كما كان مارسيل غانم يستقبل كل السياسيين في برنامجه (صار الوقت)، ويحاول الترويج لأفكارهم، ما جعل البعض يهاجم القناة ويتهمها بالتحيز لصالح أركان السلطة.
- (ال بي سي) استمرت تستقبل السياسيين واتصالاتهم، لكنها التزمت بتغطية كلّ التحركات في الشارع، وكانت تدعي الموضوعية ما يعني الإنصاف بين المجرم والضحية، فتدافع عن السياسيين بوجه الثوار وعن الثوار بوجه السياسيين، ولم تسمح بإهانة الزعماء ما دفعها للاستغناء عن المذيعة ديما صادق بسبب تغريدتها الهجومية ضد رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل والحريرية السياسية المتمثلة برفيق وسعد الحريري.
الآن يستعد اللبنانيون لإطلاق عدّة تلفزيونات إلكترونية، أي تُبث عبر الانترنت، وتتبع بشكل كامل لخط الثورة اللبنانية ولا تسمح باستقبال أي سياسي مهما كانت ميوله ولأي حزب ينتمي، ما يعني أن معظم الشعب لم يعد يثق بإعلامه السابق ويخطط للتغيير الشامل على كافة الأصعدة.
لأننا صحافيون ولتقارب رسالتيْ الإعلاميْن المرئي والمكتوب نفهم حجم عتب الشارع على المحطات اللبنانية، ونذكّر الجميع أننا في (الجرس) منذ اليوم الأول بدأنا ندعم الثورة ونغطي المظاهرات في كلّ الساحات، ما أدى لتعرضنا لضغوطات كثيرة وتهديدات وهجوم مستمر من جيوش السلطة الإلكترونية، لكننا لم نأبه واستمرينا نواكب الانتفاضة بكلّ فخر وهذا واجبنا، وعملنا بضمير مرتاح لأننا يومًا لم نقبل رشوة أو مالًا من سياسي حرصًا على نزاهة هذا الموقع الذي كان وسيبقى منبرًا للجميع.