يستمر تصحيح الذهب لليوم الثالث على التوالي ويتراجع بأكثر من 1% اليوم وذلك بعد أن بلغ أعلى مستوياته القياسية عند 2484 دولاراً للأونصة سابقاً هذا الأسبوع.
استمرار تراجعات الذهب تأتي مع انتعاش الدولار وذلك على الرغم من استمرار المعنويات المرتفعة حول إمكانية خفض الفائدة في سبتمبر إضافة إلى العوامل الجيوسياسية الكامنة خصوصاً من الشرق الأوسط والتي تستعد للاشتعال على ضوء جملة التطورات الأخيرة.
اقرأ: تحليل اقتصادي – الذهب يتعرض لمخاطر تصحيحية
حيث استطاع الدولار الأمريكي الانتعاش مقابل العملات الرئيسية مع التسارع غير المتوقع لأنشطة المصانع في فيلاديلفيا وتصريح محافظ الفيدرالي في سان فرانسيسكو عن الحاجة للمزيد من الثقة بأن التضخم يسير فعلاً نحو مستهدفه. فيما جاءت تلك العوامل بالتزامن مع تمتع مؤشر الدولار بالدفع من منطقة دعم رئيسية عند المستوى 104.
فيما لا تزال الاحتمالات حول إمكانية خفض الفيدرالي لسعر الفائدة بدايةً من سبتمبر المقبل مرتفعة للغاية وتبلغ أكثر من 90% وفق CME FedWatch Tool.
في الواقع هناك الكثير من العوامل التي قد تكون ذات تأثير مزدوج على أسعار الذهب. فعلى الرغم من الأمل المرتفع بخفض سعر الفائدة من قبل الفيدرالي هذا العام وشبه اليقين حول ذلك في سبتمبر والمخاوف الجيوسياسية المرتفعة، إلا أن المخاوف حول المخاطر الصعودية للتضخم لا تزال في الأذهان وهذا ما قد يهدد قدرة الذهب على الاحتفاظ بمكاسبه أو على الأقل ابطائها.
اقرأ: الذهب يرتفع مقابل تراجع الدولار – تحليل
المخاطر الصعودية الكامنة للتضخم تأتي من المخاوف حول التغييرات الهيكلة في السياسات في الولايات المتحدة مع العودة المحتملة لدونالد ترامب للبيت الأبيض. هذه العودة المرجحة لترامب من شأنها أن تؤدي إلى عودة التضخم إلى الارتفاع مع خفض الضرائب والرفع الهائل للتعرفة الجمركية على البضائع المستوردة خصوصاً من الصين. هذا ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار وزيادة العجز نتيجة تراجع الإيرادات الضريبية وهذا ما قد يدفع إلى زيادة التمويل بالدين الذي سينتج عنه ارتفاع عوائد السندات وهذا قد يضر بالذهب.
في المقابل من ذلك، فإن العودة المحتملة لترامب قد سترفع بدورها حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة والعالم، وفق ما قد تحدث عنه صندوق النقد الدولي في وقت سابق هذا الأسبوع. هذا بدوره سيكون داعماً للمعدن الأصفر.
على الجانب الجيوسياسي، فلا يبدو أن مسار الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط يتخذ منحى سوا المزيد من التصعيد بما قد يجر في النهاية الإقليم بأكمله إلى الفوضى وهذا يشكل أهم العوامل التي تبقى على بريق المعدن الأصفر كأهم الملاذات الآمنة عند الازمات.
حيث تحدثت صحيفة The Wall Street Journal عن تأهب للمراكز الصحية والطوارئ والملاجئ في إسرائيل ترقباً لاشتعال جبهة جنوب البنان والذي قد يؤدي إلى سقوط 4000 صاروخ في اليوم الواحد بما سيغرق منظومات الدفاع الجوي. فيما نقلت الصحيفة عن مدير إحدى منظمات استجابة الطوارئ في إسرائيل أن هذه الحرب قد تشعل كامل الشرق الأوسط.
اقرأ: تحليل خاص – هل من شيء يوقف ارتفاع الذهب الصاروخي؟
في حين يأتي هذا مع ما يبدو أنه جمود في المسار التفاوضي فيما يخص الحرب في غزة وهو الذي من شأنه في حال اكتمل أن ينزع فتيل الحرب التي لا نعرف أين ستقف حدودها التي ستنطلق من جنوب البنان. لا ننسى أن ترسانة حزب الله المتنوعة ستكون قادرة على ارباك القوات الإسرائيلية أكثر من أي من الحروب السابقة خصوصاً بعد الانهاك الذي تعرضت له في غزة وهذا ما قد يدفعها لجر الولايات المتحدة إلى الإقليم.
لإذكاء هذا التصعيد وتثبيط المسار التفاوضي، قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي من أقصى اليمين المتطرف بدخول باحة المسجد الأقصى الأمس. هذه الخطوة لاقت استهجاناً حتى من الداخل الإسرائيلي كوزير الداخلية الذي وصف الزيارة بأنها “استفزازية”، وفق ما نقلته The Washington Post. هذه الزيارات المتكررة – ذات الهدف السياسي – للوزير المتطرف، برأيي، كانت من بين أهم العوامل التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه في غزة وذلك لما يشكله المسجد الأقصى من مكانة دينية لدى الفلسطينيين. ومع كل مرة تتكرر هذه الزيارات قد يصبح السلام أكثر بعداً عن الإقليم بأكمله ولا ننسى أن هذا الوزير من أهم الرافضين لأي اتفاق يؤدي إلى نهاء الحرب في غزة وبالتالي فإن شبح الحرب الإقليمية سيظل في الأذهان.
فيما قد تتعمد إسرائيل المماطلة في التفاوض إلى حين عودة ترامب للبيت الأبيض. ذلك أن عودته قد تشكل منفعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي لإبقاء الحرب مشتعلة إلى العام التالي ذلك أن ترامب قد تحدث سابقاً أن على إسرائيل فعل ما يلزم أن تفعله، وفق The New York Times.
على ضوء كل ذلك، يبدو أن اشتعال الحرب الإقليمية الواسعة هو مسألة وقت وهذا ما يقدم دعماً مستمراً للذهب. لا ننسى أن اشتعال الحرب في غزة قد انتشل الذهب من قاع 1800 دولاراً للأونصة في أكتوبر الفائت.
تحليل الأسواق لليوم عن سامر حسن