كتبتْ النائبة المستقيلة بولا_يعقوبيان هذا المقال الذي ننقله لكم بشكل حرفي:
معركتي معركة كرامة وشرف، وليست معركة تحدٍ من أجل منصب من هنا أو اغتصاب موقع سياسي دائم إلى جانب من هم بلا شرف، هؤلاء الذين باعوا وطننا وكرامة اللبنانيين في المزاد العلني.
في بلدي الجريح لا صوت يعلو فوق صوت الطائفية والزعامة السياسية، التي ابتلعت انتظام عمل المؤسسات واستقلاليتها عبر السنوات الطويلة، وبات الخلل القائم هو النمط السائد الطبيعي، مثلًا: ميشال رئيس البلاد -ومفترض أن يكون رئيسًا لكل اللبنانيين- هو يتصرف لمصلحة زعامته للتيار البرتقالي، ويجتهد مع مستشاريه في الدستور لانتزاع مكاسب لتياره المسيحي، وليس لمصلحة لبنان بكل طوائفه.
سعد الحريري رئيس حكومة سابق، ورئيس مكلف لحكومة ولادتها وشيكة وشبه مستحيلة منذ ثمانية أشهر، يعيش في فلك زعامته للتيار الأزرق السني، وكل ما يحصل بين عون والحريري مسرحيات شكلية وعلنية باطنها صراع حاد على الصلاحيات بين الزعيم المسيحي والزعيم السني.
أما البازل الطائفي فلا يكتمل إلا إذا تكلمنا عن رئيس مجلس نواب استوطن على رأس رئاسة مجلس النواب منذ عقود، وهو أولا وأخيرا يمسك مطرقة الحكم داخل المجلس، لكنه فعليًا لم يستطع ولا حتى بموقف واحد أن يتجاوز مصالح الشيعية السياسية بكل سلوكه البرلماني، ولم يشعرنا نبيه بري يوما أنه داخل المجلس يفصل موقعه عن كونه زعيم حركة وحليف الروح والدم لحزب الله.
لذلك جميعهم استعملوا مواقعهم في الدولة اللبنانية لتقوية زعاماتهم الطائفية على حساب وطن هشمته المصالح الخاصة، وخلخلته مشاريعهم على حساب تقوية المؤسسات الدستورية وانتظام عملها، والأكثر فداحة من ذلك أنهم يشنون المعارك السياسية في زمن الانهيار الكامل لشد العصب الطائفي، ويرمون الفتات لخرافهم التابعة لهم ولأمراضهم النفسية السلطوية، وهؤلاء الخراف الذين أصبحوا اليوم “على الأرض يا حكم” كباقي اللبنانيين بسبب زعاماتهم الفاسدة، لم يستيقظوا بعد من غيبوبتهم المريضية بزعيمهم، وما زالوا أوراقا تستعمل في الشارع عند الحاجة .
أما حزب الله، فقد قضى على ما تبقى من الهوية اللبنانية المنفتحة الحضارية، واحتكر قرار الحرب والسلم لمصلحة إيران في المنطقة، ولاعبهم تارة بالحسنى وتارة بالتهديد؛ للسيطرة على قرار لبنان الداخلي مع إلقائهم أحجار دومينو في يده، والأخطر أنه تغطية وحماية أفعالهم اللا وطنية وطموحاتهم الشخصية غير المشروعة، لأنه حزب عقائدي فئوي أراد تفكيك وحدة الشعب وتكريس سلاحه كبند وحيد على حساب أي شيء وكل شيء.
والأمثلة كثيرة على الأسباب التي جعلت لبنان يتفكك ويصبح دولة معزولة مكسورة تصارع الموت وحيدة وسط عجز أدوات الدومينو عن إنقاذها.
قلمي يصف الواقع، وقلبي يبكي على وطني الجريح، الذي انهار من التراكمات الشاذة التي مارسوها جميعهم، حتى الذين يسمون أنفسهم اليوم أحزاب معارضة أو أحزاب اندمجت بثورة الشعب، هم تواطئوا لحسابات خاصة بمراحل كثيرة مع رموز الفساد والانهيار على حساب الشعب اللبناني.
في ظل هذا الواقع المتفلت من ضوابط القانون والدستور والأشبه بشريعة الغاب دخلت البرلمان مدة قصيرة وخرجت صونًا لشرف أهلي في بيروت بعد انفجار الرابع من آب / أغسطس، لأنني أرفض أن أكون شاهد زور مع هؤلاء المجرمين الذين أسكتوا أحلامنا وألبسونا القلق والخوف والدموع مصيرًا حتميًا لن نخرج منه بسهولة في المدى المنظور.
ورغم أنني أعرف أن التصفية الجسدية في لبنان عملية سهلة، وسعر الإنسان عندنا رصاصة سأبقى أصرخ وأصرخ في وجه هؤلاء بلا ملل، ولن أتنازل عن بلدي، وعن الدفاع عن سيادته وحقوق مواطنيه لآخر رمق.