هل شعرت بالغرور مرة منذ بداياتك، هذا أول سؤال طرحته رابعة الزيات عليه، في أول إطلالة له على قناة سورية (لنا):
وأجاب سلطان الطرب: وحياة الله لا.
أليس يكذب جورج وسوف؟
من يصدّق النجوم حين يصرّحون وثلاثة أرباعهم يكذب بل وينافق كثيرًا.
من يصدق أن سلطانًا بحجم هذا الفنان لم ينل منه الغرورُ يومًا؟
لكن الوسوف لم يكذب، وأنا أشهد على ذلك.
حين كان الوسوف عائدًا من رحلة علاجه الأولى، من أميركا – بوسطن، في العام 2001. ذهبت مع فريق العمل إلى مطار بيروت الدولي قبل أن يصادره رفيق الحريري ويسجله باسمهِ ويضعه من ضمن أملاكِهِ، لأشرف على المصورين والريبورترز، في عملية تغطية لعودة الوسوف بالسلامة.
كان المطار يختنق بالجماهير تنتظر أبو وديع، وبصعوبة تمكنا من التسلل، لإيجاد أماكننا، كي نتمكن من التقاط الصور من كافة الزوايا.
في حياتي لم أرَ هذا المشهد لجماهير تبكي فرحة بعودة الوسوف.. في حياتي وحتى الآن لم أرَ كل هذا التهليل والجمهرة على المطار ولا حتى لأكبر القادة.
المفاجئ آنذاك، أن الوسوف وحين أطل من الباب الرئيسي قادمًا، ورأى الناس صُدِم، وطلب من مساعديه بحركة غير إرادية، العودة به إلى الوراء، بدل التقدم، ولما لم يستجيبوا له، لأنهم هم أيضًا ارتبكوا أمام الصراخ والبكاء والتهليل، فغطى أبو وديع عينيه وبكى.
وأنا أيضًا فوجئت، لم أكن أعرف أن الوسوف على كل هذه الفطرة السليمة، وأنه لم يتوقع هذا الإستقبال، وأنه فوجئ ناسيًا أنه السلطان.
من يرغب أن يصبح مثل جورج وسوف وأن لا يًصاب بلوثة الغرور عليه أولاً أن ينسى عظمته، كما يفعل السلطان.
وأذكر أني بكيت، كما كل الناس الذين سجلوا ردات فعل مختلفة، بين هتاف وبكاء وأنين، حتى تحول الإستقبال إلى مهرجان لم يحظَ به زعيم ولا فنان ولا ملكة ولا سلطان.
هذا العملاق، مرة لم يتكبر، وسرُهُ أنه مرة لم يصدق نفسَهُ، ومرة لم يتعالَ ويتجبر، ولم يعتبر السلطنة تحصيل حاصل، ولا يزال يخجل حين يطل على المسرح من كثرة الترحيب والتبجيل والتقدير.
حين قال الوسوف يحلف أنه لم يشعر بالغرور مرةً، فكان صادقًا كثيرًا وهذا ما ميزه طوال عمرِه.
وهذه الميزة لم يتعلمها معظم النجوم، فتكبروا وتعالوا وتجبروا، ووقعوا ضحايا لعنة الغرور حتى أكلهم.
فقط فيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين ووردة الجزائرية وسعاد محمد، من الجيل القديم الذين عرفتهم عن كثب، فقط هؤلاء، لم يعرفوا الغرور.
ملاحظة: أنا لا أذكر هذه الواقعة، لأنني أتذكر الأحداث التي مرّت في حياتي وكأنني أرشيف آلي.
أذكر لشدة تأثري بما رأيت، ولشدة انبهاري بشخصية فريدة من نوعها على الساحة الفنية، وقد شهدت على الكثيرين منذ العام 1982.
الوسوف يشكل حالة خاصة بين أقرانه من بعض النجوم، الذين يعانون من الأنا المتضخمة، والتي يمارسونها حتى الآن، لكنها قضت على أنصاف أعمارهم في المجد الأرضي.
نضال الأحمدية – بيروت