أيامٌ عديدة مضتْ من شهر_رمضان، ما شاهدتُه من مسلسلات تتنافسُ باشتدادٍ، يكفي لإطلاق أحكام أوليّة غير مُكتملة النضوج، ربما تُعدّل لاحقًا لكنّها على الأقل لا تخسر صفة الإنصاف، فيما يتعلّق بانطلاقة هذه الأعمال ومدى تصاعد الأحداث الدراميّة بها وترابطها ومنطقيّتها وارتباطها بواقعنا.
ما بين الجيّد واللا بأس به والسيء، اختلفت درجات التقييم.
المُمتاز رتبة مفقودة، تبقى فارغة إذًا، فاز بها عملٌ من الموسم الماضي، أذكره أدناه، هذه السنة لا أحد..
موسمٌ حالي أستغربه لكثرةِ ما يحمل من تناقضات، حتّى داخل البنيّة الدراميّة للعمل وحده: حلقات تصعد لذروة التشويق، وأخرى تعاني ثغرات ومشاهد هزيلة وحوارات كأنّها أُضيفت حشوًا لملئ الفراغات.
في مصر، سعيتُ أولًا لمشاهدة محمد_رمضان الذي هيمنَ على مخيّلتني بعمله السابق (البرنس)، ولو أنّ الفضل يعود للمخرج والكاتب المصري الكبير محمد_سامي الذي كتبَ أجمل قصّة دراميّة مذ سنوات، عن طمع الأخوة بميراثٍ، يجعلهم يرتكبون جرائم وحشيّة، يواجهون بسببها عقابًا إلهيًا مُستحقًا.
محمد العام الماضي حقّق تفوقًا توثّقه نسب المشاهدات والتفاعلات عبر منصّات (غوغل) و(يوتيوب) وما يُكتب من المتابعين عبر منابر (السوشيال ميديا) أجمعها، ومعه سطعَ نجما الممثل المصري أحمد_زاهر وروجينا اللذين فاجآ جميع أهل الاختصاص، ولم يتركا مكانًا لمنافسٍ يشاركهما مراتب الشرف الأولى، على المستويْين الفنيّ والجماهيريّ.
إقرأ: أحمد زاهر وحركة غريبة بأذنه وهل في داخله شيطان؟ – فيديو
روجينا كيف تفوقت على نفسها بمسلسل محمد رمضان؟
هذه السنة يبتعد محمد عن مرتبته الأولى، بل يتراجع عن (موسى)، الذي شاهدتُ منه مشاهد قلّة لم تلفتني، رغم حبّي للأعمال التي تطرح قضايا البيئة الصعيديّة في مصر، هنا مثلًا أميلُ لمحمد سامي الذي كتب وأخرج مسلسل (نسر الأغراب) من بطولة المصرييْن أمير_كرارة وأحمد السقا، لكنّه أيضًا يكتفي بالحصول على إشادةٍ واحدة أو اثنتيْن، بانطباع سابق حول ما أعرفه قادرًا على تقديمه، لا يجعلني أصفّق بحرارةٍ ولا أفكر طيلة يومي بما سيطرأ من أحداث دراميّة جديدة، كما حدث بمسلسله السابق (البرنس).
غادة_عبد_الرازق تقدّم عملًا جيّدًا، يفوق تقنيًّا وفنيًّا وإنتاجيًّا كلّ مسلسلاتها المُنصرمة التي أسقطتها عن عرشٍ وصلت إليه سريعًا عبر عمليْن فاخريْن، من أهم مشاريع الدراما المصرية بالعقديْن الفائتيْن: (مع سبق الإصرار) و(حكاية حياة)، وليس صدفةً أنّهما يحملان إمضاءً إخراجيًا لـ محمد_سامي كذلك.
إقرأ: غادة عبد الرازق كادت تصبح (ميريل ستريب) العرب ما الذي تغير؟
غادة الآن ليست غادة هذيْن العمليْن، يسرا أيضًا رغم ثروتها الفنيّة وموقعها الرفيع في قلوبنا التي تعشقها، لا تطرح اللافت والجديد بعملها (حرب أهلية)، على عكس تجربتها السابقة (خيانة عهد) التي أسرتنا عبر قدراتها التمثيليّة، وكأنّها تتحدّى جميع الشابات فتجتازهنّ بعامل الخبرة، من ينسى مثلًا مشهد دخولها برادات الموتى للتعرّف على جثة ابنها، ومواجهتها لشقيقتها التي قتلته!
إقرأ: يسرا هكذا دخلت برادات الموتى وأبكت الجميع – فيديو
حلا_شيحة ببرود انفعال شخصيتها مولّدةً انقسامات شعبية هائلة حول الأداء الذي رأيته شخصيًّا جيدًا للغاية، وجومانا_مراد بعودتها القويّة وحنكتها الكبيرة، جذبتا اهتمام المصريين.
هذه السنة لا مثيلة لهما، سوى منى_زكي التي تسجّل عودةً لممثلةٍ أرادت ألا تعود وكأنّها كانت كلّ مرة، بل كأنّها لم تكن وهنا تريد أن تكون، الأولى والأكثر إجادةً بين زميلاتها.
(لعبة نيوتن) لمنى يُتوّج أولًا في مصر، متفرّدًا بنجاحٍ ساحقٍ نلاحظه إلكترونيًا وجماهيريًا، وأكبر الافضال تعود للمخرج والمؤلف تامر محسن الذي كتبَ قصة خارجة عن النمطيّة، تدور حول زوجيْن يسعيان للإنجاب في أميركا للحصول على الجنسيّة.
ينافسُ في مصر أيضًا مسلسل (ملوك الجدعنة) لمصطفى شعبان ومحمد سعد، بل يحدث ظاهرة شعبية كبيرة.
النجاح هنا يعود لإنتاجه الباذخ السخيّ من (الصباح الأخوان) للمنتج اللبناني صادق_الصباح.
مرور عابر لدينا الشربيني عن (قصر النيل) لا بقوة أعمالها الماضيّة، بالمقابل تحقّق ياسمين_عبد_العزيز نسبةً مُرتفعة من المشاهدات عن مسلسلها (اللي مالوش كبير)، كما فعلت العام السابق عن (ونحب تاني ليه).
(الاختيار ٢) عمل وطني رائع، يسطّر بطولات الجيش المصري العظيم ضد الإرهاب السخط.
أما في سوريا، فخيبة الأمل تواجه الممثلة السورية سلافة_معمار التي سبق وطرحت أجمل الأعمال السورية المحلية، هذه السنة تغيب عن ألسنة المشاهدين وأجنداتهم عن (حارة القبة) الذي لا يحصد أي نسبة مشاهدة تُذكر.
بالمقابل تتقدّم الجزائرية أمل_بوشوشة نحو أرفع المراتب عن (على صفيح ساخن)، العمل السوري المُجرّد، الأكثر تحقيقًا لنسب المشاهدات، وفي لوائح الترند الأكثر حظيًا بإعجابات المتابعين.
(الكندوش) نجاحه جيّد، سلاف_فواخرجي يذكرها الناس، القديرة سامية الجزائري أكبر الإضافات.
نحو اللبناني المشترك يتنافس (عشرين عشرين) لنادين نجيم وقصي خولي و(للموت) لماغي بو غصن ودانييلا رحمة على المرتبة الأولى بشراسةٍ.
العملان جميلان، الأول لنقيب (امرأة – نادين نجيم) تود الانتقام لشقيقها (رامي_عياش) الذي تظنّه قُتل على يد رئيس عصابة تمتهن الإتجار بالمخدرات (قصي_خولي)، الثاني لسيدتيْن عانيتا من قسوة ماضيهما، فصبتا غضبًا وانتقامًا على كلّ من صادفتا.
للموت يقدّم ماغي_بو_غصن بأجمل أدوارها، لتقلب الطاولة على الجميع، أما دانييلا_رحمة فأصقلت موهبتها، تودّ واضحًا الوصول للمقدّمة فمُقارعة أهم العربيات.
قصي أستاذ لا تكفيه الشهادات، نادين تواجه كل المشككين بموهبتها بشراسةٍ وثقة، فتنتصر.
(٣٥٠ غرام) لـ عابد فهد وكارين رزق الله، ظُلم بسبب عرضه في الإمارات العربية المُتحدة، القنوات المحلية لم تشتره ولم تدعمه كالمسلسلات الأخرى، (أل بي سي) فقط تعرضه لكنّ بوقت متأخر نسبيًا.
يقاسمه المظلوميّة (زوج تحت الإقامة الجبرية)، مسلسل كوميدي يرسم ابتسامات نحتاجها بمآسينا، تبدع به الممثلة اللبنانية نادين_الراسي مع الفنان والملحن اللبناني زياد_برجي والسورية هبة_نور، لكنّه لا يحصد أي نسبة مشاهدة لأنّه لم يُشترَ عربيًا.
نحو اللبناني المُجرّد، هناك (راحوا) الذي نراه خارجًا تمامًا عن المنافسة بالمعايير المهنيّة، رغم أنّه يحظى بأعلى نسبة من المشاهدات (معايير تجارية) حسب إحصائيات (ايبسوس)، لا نفهم كيف وهو لا يرتقي لا إخراجيًا ولا نصًّا لمستوى الأعمال المُشتركة، عكس كل الأعمال التي كتبتها المُبدعة كارين_رزق_الله، والتي كانت تحصد إجماعًا لبنانيًا غير مسبوق.
نشتاقُ كارين الكاتبة كما الزعيم الكبير عادل_إمام الذي غاب عن منافسات مصر، وفي سوريا أمل_عرفة ليست موجودة على الشاشة بل في القلوب، تقول: (هناك من يستطيع تغييب المبدعين)، أقول واثقًا: (لا أحد يستطيع تغييبهم، وهي واحدة منهم).
الموسم ليس ممتازًا، لا بأفضل أحواله، تعجبني أعمال، هناك ممثلون يجيدون، بعض القصصّ جيدة.
لكنّ الثغرات تطال دائمًا إحدى العناصر، فيفقد العمل الكماليّة.
النصّ: القصة، السيناريو، الحوار.. الإخراج، المونتاج، الأداء، الكيمياء في الأداء..
لا عمل يجمع هذه العناصر..
هذه السنة المعادلة الأكمل صعبت على الجميع..
ثمّة عمل يجمع أكثر من عنصر، وآخر يتضمّن عنصرًا واحدًا..
حتّى اللحظة لعبة نيوتن في مصر، عشرين عشرين وللموت في لبنان.
هؤلاء أفضل اللائحة، طالما أبعدتٌ (البرنس) عن الذاكرة.
المقارنات بين مواسمٍ مُختلفة تظلم..
لذا سأتناسى مُجددًا (البرنس) الذي جمع كلّ مكوّنات الإبداع والإبهار الدراميّ، فأكتفي بتقييم ما يُعرض الآن..
وما يُعرض الآن جيدًا، لكي لا أُفهم بشكلٍ خاطئ..
عبدالله بعلبكي – بيروت