في تقارير علمية عن الحب، قرأت الكثير، لكنه بقيَ ضئيلاً أمام ما قرأته، حين كنت صغيرة، للعظيمة د. نوال السعداوي والتي تقول:
الحب الذي يُرتجى له الدوام، يجب أن تتوافر فيه ثلاثة عناصر، بين الشريكَين وهي:
أولاً: التجاذب الروحي..
ثانياً: التجاذب الفكري..
ثالثاً: التجاذب الجسدي..
الشرط الأول، يعني أنّ الأرواح يجب أن تتلاقى أي أن يتحابا لانجذابهما الكيميائي.
لكن هذا لا يكفي، بل يجب أن يتوافر لدى الإثنين إلى جانب العنصر الأول، قدرات متساوية في الوعي والإمكانات الثقافية، والفكرية، أياً كان مستواها.
والعنصر الثالث والذي بدونه تنقطع رقبة الحب، هو التجاذب الجسدي.
وهذا تحليل منطقي لهرم الحب الذي اشتغلت على بنائه علمياً أهم باحثة في الشأن الإنساني وخصوصاً العلاقة ما بين الرجل والمرأة، أقصد بها الكاتبة العظيمة والطبيبة النفسية المصرية نوال السعداوي.
لكن أحداً منا لا يأبه للهرم، يكتفي بجانب واحد توفر بينه وبين الشريك أو اثنين على الأكثر فيندفع إلى علاقة يغيب عنها العنصر الثالث، فيبقى غائباً، تحضيراً لحكاية حب قابلة للإنهيار في أي لحظة، لأنّ مداميكها لم تكتمل.
وفي حين تلاقى حبيبان، وتوافرت بينهما العناصر الثلاثة، وقد اختبرا ذلك وتأكّدا من صحة توفر عناصر الهرم، لكن وبعد سنوات انكسر الحب بينهما، فيطلّقا ويتحول العشق الرائع إلى كره وأحياناً إلى حقد.
وتتحول حكايتهما إلى سؤال بليد لا يبحث أحدٌ عن إجابة علمية له!
والإجابة العلمية والوحيدة هي:
بعد الزواج يفرض العامل الزمني شروطه، طالما أننا نتحدث عن سنوات، وأحد الطرفين يتطور فكرياً، ويجتهد، في حين يتكاسل الآخر، وفي هذه الحالة، يتفكك أحد العناصر التي يقوم عليها الهرم وهي التجاذب الفكري، ليجد أحدهما عنصراً في علاقتهما انكسر، ويروح في حالة من الغضب يتساءل:
– ماذا حدث لشريكي، كان رائعاً، وكنا في أقصى حالات العشق؟
ولأنّ الغضب والإنفعالات سيدا المواقف في عربنا، أو لأن قلة الوعي غالباً وعدم الرغبة في البحث عن الأسباب، تجعلنا غير قادرين على تقديم تفسير علمي لإنهيار علاقة بدأت مثالية، وحين خسرت أحد شروطها وقعت مغميّة، ولم يسمِّ عليها أحد.
في شرقنا، يحدث التجاذب الجسدي قبل الزواج عبر التخيّل، محكوماً بالشغف أو الرغبة أقلّه.
ولأننا بسبب الحلال والحرام، لا نقيم علاقة قبل الزواج، وهذا ما يعطل اختيار مدى صحة التجاذب الجسدي، ولأن الثقافة الجنسية تحرم العلاقة الجنسية قبل الزواج، بسبب التقاليد والدين، فالزواجات تتعرض لأبشع التجارب، وتسقط في الفشل الذريع الذي يخرّب مشروع العائلة.
وحين تخرب العائلة، فإن ذلك يخرّب مجتمعاً بل يدمّره، وهكذا فإن شئنا أم أبينا، فإننا بضلالنا نؤسسس لمجتمعات مخرّبة سلفاً، بسبب ندرة ثقافة الحب والجنس في حياتنا، لأنّ عبارة (حرام) تطارد كل العلوم الحديثة التي تحمي البشرية من السواد الأعظم؟
الحب ليس نكاحاً وحسب، وليس شغفاً وحسب، والحب ليس تماهياً فكرياً وحسب.
في الحالة الأولى، يكون علاقة جسدية حميمة شبه حيوانية.
وفي الثانية، يكون حكاية خيالية تغذي الروح لمرحلة وجيزة، ليسقط أهلها بعد قليل في عذابات الحرمان والحاجة.
وفي الحالة الثالثة، لا يمكن أن يكون حباً، بل رفقة درب، لصالح مشروع إنساني، لنتفق على أنه محبة.
ولأننا في مجتمع لا يُعير المشروع الهرمي أيّ احترام أو انتباه أو تقدير، لذا صرنا حِزمة من الإخفاقات التي تولّد تعاسة لا تنبت إلا مثلها، فنورثها لأولادنا الذين يتعلمونها، وهم بدورهم يتابعون نفس اللعبة «الغشيمة»، فيلقّنون كل مبادىء التعاسة لأبنائهم.
لذا نحن حكاية عربية تملك كل شيء إلا العلم والمعرفة.
السلام على الحب الذي كان مصدر إلهام الشاعر والعالم والمفكر والمهندس والطبيب والمخترع والبطلة والأميرة والملكة والحاكمة.
السلام على من يعيد إلينا زمناً، كان العلم فيه مفتاحاً لا فتوحات، ولا الأخوان الذين حوّلوا أجساد النساء إلى مشروع (جهاد النكاح)!
نضال الاحمدية – بيروت