كتبت الزميلة نضال_الأحمدية العام 2015 في عدد رقم 607 من مجلس المطبوعة الجرس التالي:
لأننا في عزّ الخوف.. ولأننا قد نكون على مشارفِ بحرٍ من الدماء..
ولأنني أعتقد بما كان يقوله لي والدي: «لبنان يا ابنتي يعيش حرباً ضروساً كلّ عشر سنوات بسبب جهل أسياده».
ولأننا في وطن فارغ من أيّ قيمة، وممتلىْ بكل أشكال التعصّب المذهبي والسياسي والعقائدي.
فإنّي أذكر والدي حين حكى عن العقيدة..قال: العقيدة تتحوّل إلى عقدة.
وقال: العقيدة وسيلة وليست غاية نقف عندها، كما فعل الماركسيّون والقوميّون مثلاً، الذين اعتقدوا أنّ المرحلة الفكرية التي استقوا منها ليسيروا شؤونهم، اعتقدوا أنها نهاية المطاف. فأصبحت أفكارهم عِقدة، لأنهم اعتبروا أنّ المرحلة الفكرية التي يعيشونها هي الحقيقة الوحيدة، وحوّلوها من وسيلة لخدمة الإنسان، إلى غاية، لتصبح العقيدة (عقدة) ضدّ الإنسانيّة نفسها.
وكان يحدثني عن أصحاب الإعتقادات والإنتماءات السياسية والمذهبية الحاليةو على الساحة اللبنانية، الذين يتحوّلون إلى ذوي عقَد نفسيّة. فتصبح أفكارهم (الغاية)، وليست الوسيلة في سبيل إنسانيّةِ شعبٍ بأسره.. ووطنٍ بكلّه..
يقولون في خطاباتهم، ويستفيضون في القول غاشين حتى العمى، معتقدين (معقودي الأفكار)، أنّ ما يقولونه وحياً من الله. وهذا منتهى المرض النفسيّ، الذي يرشح من الخطاب السياسي اللبناني الحالي.
أما الناس.. فتصرخ وتهلّل وتنبسط، لماذا؟!
لأنّها انفطرت على العاطفة.. وحين يثير القادة أهواءهم، فيحقّقون المعجزات!
وما أراه على الساحة اللبنانية يشبه الثورة، لكنه ليس بذلك.. الناس تنفعل لكن لا تثور.
والناس تثور مدفوعةً بأهواذها وليس بوعيها. وهذا يؤكّد أنّ كلّ ما يحدث من هتافاتٍ وصراخ وشتمٍ واعتراض، ليس إلا حالة مؤقّتة، لأنّ: ثورة الأعماق لم تبدأ بعد.
وثورة الأهواء تذهب بها الزوابع..
لعلّ أكثر ما سيدمّر لبنان واللبنانيين هو: التعنّت والتعصّب والتعامي.
من على حقّ؟
يقول المعلم كمال جنبلاط في هذا الإطار: (علينا أن نتوخّى الصدق والأمانة. فالصدق يولّد في أنفسنا الثقة بأننا نشارف الحق. وعلينا أن لا نقول إننا على حق، فحين نقول إننا على حق، فذلك يكون تعنّتاً وتعصباً وتعامياً. التواضع رفيق الصدق).
ألسنا في مرحلة نحتاج فيها إلى فكر كمال جنبلاط كي نكفًّ عن اعتبار الحق ملكاً خاصاً بنا على طريقة الـ Exclusivity؟!.
فهل ينتصر لبنان كرمى لحق كل اللبنانيين؟
أم نذهب في غيّنا وأهوائنا وخياراتنا الكيدية؟!
هل نحب لبنان فوق كلِّ اعتبار، وفوق كلِّ زعيم ومدَّعٍ يتشدق بأنه الوحيد على حق تبجيلاً لعقيدته التي تُلزِم الآخر بما لا يتفق معه، وبالتالي يصبح مهمة العقيدة صناعة قرارات قائمة على عقيدة متخلفة، مهمتها القتل والذبح والتهجير والاعتداء على أبسط الحقوق الإنسانية.
هل من حكيم في هذا اللبنان الغاشي، متل “الخشخاشة” الذي تتحم به الأيدي الغريبة، تمسك به “وتخشخش” لجماعاتها، فيتسلون بأرواحنا وأعراضنا وكراماتنا، “ونحنا غاشين فدى العقيدة”.