أوضّب حقيبتي بسرعة فائقة.. الطائرة تنتظر في مطار بيروت الدولي ويقترب موعد الإقلاع..
إنها رحلتي الأولى إلى القمر..
للقمر بوابتان..
مجموعتان من العشاق تنتظراني على البوابتين.
وهذه المرة سأصل مدّعيةً أنني ذاهبة لإجراء تحقيق صحافي، لكني في الحقيقة، أرحل إلى فوق لألتقي مَن أسميه حبيبي.
وحبيبي من المفترض ألا يقف في صفٍ أول، أو في صف ثانٍ لينتظر..
أعتقد أنه وبحكم عشقه لي.. وبحكم ذكائه ورجولته التي لا تقبل انصياعاً أو اصطفافاً.. سيتنحى جانباً ولن يعيرني انتباهًا حين تحط الطائرة..
لكنّه سيختلسني وأنا أتهادى من على سلّمِها كمثل عين القمر..
إذاً عليّ أن أكون في أحسن حالاتي؟!
حدّقت في المرآة.. وجهي نضر.. لكن عيناي ممتلئتان بحزن عميق لن أشفى منه مسافة رحلة الطيران صعوداً..
لا بأس.. لا داعي لشرقطة العيون..
قد يحبني «المنتحي» رغم ذبول عيني.. وقد يكشف أني مكسورة الخاطر.. وهو يعرف أني قوية.. لكني بحاجة إلى ذراعيه تلتفان حولي تعتصراني وتمنحاني فرح الانتماء إلى رجولة لم تعد موجودة على كوكب الأرض..
أنا أفكر.. إذا أنا أضيّع وقتي؟
وقد أضيّع الطائرة؟
عليّ الإسراع إلى الخزانة..
أي فستان أرتدي؟
أتفركش بفساتيني الكثيرة.. أريد واحدًا مغناجًا.
أريد فستاناً ذكيًا يعرف كيف يفاوض جسدي، يتمايل عليه ولا يملّ منه، يلتصق به ويطلق الآه..
أريد هذا الأحمر.. إلا أنه قصير!
ذاك التوركواز.. لكن لونه يشبه لون القمر وقد أبدو على السلالم «فلو»..
إذاَ هذا فستان زهري، سيتفق مع لون قلبي ويختلف مع لون شعري وهذا هو المطلوب..
سأبدو مثل الموناليزا.. محيّرة.. لا محتارة؟
هل تفعل الفساتين كل ذلك؟
تقول النساء أنهن تلبسن ألوانًا محددة لأن كل واحد منها يفي بغرض ما..
الأحمر يسيطر..
الأسود يُشعر بالأمان..
الأخضر يساهم في إشاعة أجواء سلام..
الأصفر يثير الشهية على الحوار..
الأزرق يهدّىء من حالات الغضب..
الأبيض يربك الحبيب.. ويجعله يتساءل؟!
أما اللون الزهري فماذا يفعل؟
(الزهر بيموّت الغيور قهر)
خرافة زهرية أتبنّاها أم أتحاشاها..
لا بأس.. ها أنا أرتدي الفستان الزهري
وهذا الحذاء زهري أيضاً.. وهذا الشال والحلق..
سأضع بعض المساحيق الخفيفة.. هذا بعض «البلاش» الزهري أيضاً على خدي..
وجهي أصبح أشرق.. وهذه بعض المراهم لترطيب يديّ.. ورشة عطر هنا.. ورشّة هناك.. أوف.. أصبحت كالحورية..
عيناي حزينتان.. لا بأس..
هذه قطرة جلبتها معي من حفافي النيل في القاهرة.. نقطة لكل عين وسيشع خارجهما فقط..
وما في القلب فليبقَ في القلب يمرح.. ولا يخرج إلى هواء القمر ويجرح..
وهذه حقيبة اليد.. صغيرة لكنها تكفي..
لا أحتاج إلى حقيبة تتسع لأوراق وموبايلات وملفات وجوازات و«أجندة» و«بوشيت» ودفتر شيكات..
فقط إلى نظاراتي السوداء وبعض الشوكولا..
قد أجوع على سطح القمر.. وقد لا يعجبني طعامهم..
حبة شكولا تغنيني عن ثلاث وجبات في العادة لا آكلها..
ماذا بعد؟
أعيد النظر إلى المرآة.. أجدني فائقة الأناقة.. فائرة الشوق إلى حبيب سأختاره.. أو سيختارني..
الأهم أن يكون «منتحٍٍ وملتحٍٍ»..
وأن يكون لفّ رأسه بكوفية سوداء وغطى معظم وجهه..
وأن أنزل من على السلالم وتلتقطني عيناه..
تماماً كأبطال «نجدت أنزور»..
سأشرب فنجان القهوة الذي ينتظرني على الطاولة أمام المرآة وأمشي مسرعة إلى المطار..
أشف الشفة الأولى.. يرن الهاتف..
علّه هو يهاتفني من القمر.. أسرع لأرفع السماعة.. ويأتي الصوتُ قائلاً:
ألو.. هنا مطار بيروت الدولي.. نريد إبلاغك أنك تأخرتِ عن موعدك والطائرة أقلعت من دونك..
ينقلب فنجان القهوة فوق فستاني..
ويصبح الزهري مقلّماً بالأسود المائل إلى بني..
يتميّل الفستان ويتمايل..
أين لي من حبيب؟
وفساتيني كثيرة.. تضيّع الوقت
وتضيّع قمراً أسمّيه حبيبي..