حلّت الفنّانة اللبنانيّة القديرة نضال الأشقر ضيفة على سكاي نيوز عربيّة في لقاء خاصّ مع الإعلامي سعيد حريري تحدّثت فيه عن المسرح والثقافة والحياة والفنّ.
بدأت مؤسسة مسرح المدينة الشهير اللقاء بالحديث عن القضايا التي ما زالت تحلم بتقديمها على خشبة المسرح قائلة: “قضايا المسرح لم تتغيّر عبر التاريخ الحبّ والأمل والخيانة، تلك المواضيع الإنسانية ما زالت تُعالج، ونحن في لبنان على الرغم من أنّنا عالجنا في مسرحياتنا الفساد والمشاكل الإنسانيّة الكبيرة، ولكن الآن أصبح لدينا مشاكل جديدة كالكورونا، وإنفجار المرفأ، والإنهيار، والفساد الذي عمّ الوطن، وهذه المواضيع يمكن معالجتها في المسرح أيضاً”.
وعمّا إذا كان بإمكان المسرح أن يستمرّ إفتراضياً في ظل التوجّه إلى الإنترنت في زمن كورونا قالت: “منصات التواصل الاجتماعي كسوق عكاظ، كلّ يقول ما يريد، وقتما يريد، أينما يريد، إنّها فوضى عارمة، ولكن هذا لا علاقة له بالمسرح على الرغم من العروض التي نشهدها عبر الإنترنت، ولكن المسرح بعنصره الأساسي هو ذلك الدمّ الذي يجري في عروق الممثّل وتراه أمامك، أضف إلى ذلك تفاعل الجمهور أيضاً، لذلك المسرح هو حيّ، وهو يحصل الآن ولا يتم تأجيله”.
اقرأ: توقعات مجد غانم العامة للعام 2021 – فيديو
وعن الأمل بخلاص لبنان في ظلّ الأزمات المتلاحقة قالت: “تم الإحتفال العام الماضي بمئوية لبنان الكبير، ولكن منذ نشأة تركيبة لبنان الطائفية والمتعصّبة علمنا أنّنا سنصل إلى هذه الخواتيم اليوم، وهذه التركيبة فجّرت حرباً كل عشر سنوات، ولا أحد يتساءل لماذا حصلت الحرب الأهلية، وبدلاً من ذلك من كانوا من مكوّنات الحرب الأهلية السلبية عادوا كوزراء ومسؤولين ليحكموا لبنان بعد الحرب، فكيف للبنان ألا ينهار رويداً رويدا؟”.
وعمّن يلفتها من المسرحيين اللبنانيين الجدد قالت: “هناك شباب كأورليان ذوقي، وناجي صوراتي، وهشام جابر، وزُقاق، وعصام بو خالد، وربيع مروّة، وهؤلاء لم يستطيعوا أن يفجّروا طاقتهم بعد، لأنّ المسارح تتوقّف بين الفينة والأخرى بسبب الأحداث المتلاحقة، فضلاً عن أنّ الدولة لا تشعر بالحاجة للمسرح، ولا تدعم المسرحيين كي يستطيعوا من الإستمرار في تقديم مشكلات المجتمع.
وعن ذكريات دراستها في الأكاديمية الملكيّة للفنون الدرامية في بريطانيا قالت: “كانت جرأة من أهلي عندما قبلوا بذهابي إلى لندن، ولا يمكن أن أنسى هذه التجربة، وهناك أسسوني ودرّبوني، وهم من إكتشفوا أنّي ممثّلة، لأنّي ذهبتُ لأدرس الإخراج هناك، هم من علّموني مهنتي، وعلّموني تفاصيلها، وعندما عدتُ إلى لبنان، تم إرسالي إلى تونس حيث تعرّفت على أهم صنّاع المسرح في الحمامات كجون ليتلوود الفنانة البريطانية الكبيرة، وتعرّفت على بيتر بروك، وكذلك في مهرجان برلين تعرّفت على أهم المنظّرين والفلاسفة في المسرح. وأضافت: ” جون ليتلوود فتحت لي رؤية جديدة للمسرح كطريقة حياة، وهي من شجعتني على تأسيس فرقة عندما عدت إلى لبنان، وهذا ما حصل عندما عدتُ إلى لبنان حيث أسّست محترف بيروت للمسرح”.
وعن أبرز ذكريات مرحلة تأسيسها لفرقة الممثلين العرب قالت: “نفّذت هذا المشروع بشغف كبير، وقد ضمّت الفرقة ٢٤ ممثلاً من ١٣ دولة عربيّة، وشكّلنا فريقا رائعاً، وبعدما طلبتُ منهم عبر الهاتف أتوا وإجتمعنا في الأردن، وفي وقتها كتب النصّ الدكتور وليد سيف، في حين طلبت من المخرج التونسيّ الطيّب الصديقي أن يقوم بمهمّة الإخراج، وإفتتحنا المسرحية من مهرجان جرش، ومن ثمّ إنطلقنا في العالم العربي، وهذه الجولة علّمتني ما هو العالم العربي، وكم ن الصعب أن يتجاوز الإنسان الحدود من مكان إلى الآخر، وبعدما نفذنا هذه الجولة في مختلف البلاد العربيّة، توجّناها بعرض في الألبرت هول في لندن، التي لم يقدّم فيها أحد مسرحيّة من قبل لأن هذا المكان مخصّص للعروض الموسيقيّة، وكان ذلك نموذج عربيّ حيّ لعمل لا يمكن للأسف تقديمه مرّة أخرى”.
وعن التحديات التي واجهتها في إرساء مسرح المدينة كصرح ثقافي قالت: “كنّا قد خرجنا من الحربّ للتوّ في زمن سيطر عليه الإسفاف، فأتاح المسرح رؤية الفرق العربيّة المختلفة، والإستماع إلى فنونها، قدّمنا جهدنا لتقديم الأفضل ليعود أمل الناس ببلادهم من خلال المسرح والموسيقى والرقص والغناء، إلى أن قرّرت أن أقدّم تجربة الإخراج مجدّداً”.
وعن تجربتها الإخراجية التي إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بإخراجها لأعمال سعد الله ونّوس الشهيرة كطقوس الإشارات والتحوّلات، ومنمنات تاريخيّة التي شهدت تزاوج جرأة نصوص سعد الله ونّوس وفكرها الثقافي الطليعيّ، قالت: ” سعد الله ونّوس أرسل لي هذا النصّ، وأبدى عن رغبته بأن أخرج طقوس الإشارات والتحوّلات، وعندما قرأتُ هذا العمل، تحداني بجماله وبصعوبته وبصلاحية موضوعه لكلّ الأزمان لأنّه يجسّد هذا الإرتباط الوثيق بين المال والدين والدولة، وهؤلاء هم الأركان الأساسية التي يودّ كلّ واحد منهم أن يتمسّك بالآخر كي لا يقع أحدهم فيقع الجميع معاً، وعندما بدأنا العمل على هذه المسرحيّة كان سعد الله ونّوس مريضاً بالسرطان، وقد إستغرقت قراءة النص معنا شهراً بالكامل، لأنّ اللغة كانت صعبة كلغة الجاحظ، ولكنّها كانت رائعة ومتماسكة ودراميّة وعالية المستوى، ولكنّها كانت شائكة لأنّها تضمّنت شخصيّة المفتي، ورؤساء المصارف، وإذا أردت أن أعيد تقديمها الآن يمكنني ذلك بكل سهولة لأن موضوعها يصلح لكلّ الأزمان، وقد درّبت الممثّلين بشكل عالٍ فأتت المسرحيّة مصقولة، وقد طلبتُ آنذاك من زوجته قص المشاهد الكبيرة، وإدخال مشاهد أخرى فيما بينها، وقد قبل سعد الله ونّوس بذلك علماً أن الجميع يعلم بأنّه لا يحبّ أحد أن يتدخّل في نصّه، وقد لعبت المسرحيّة ستّة أشهر في مسرح المدينة”.
وعن تباين نظريتي أفلاطون في أنّ المسرح يتماهى مع الحياة في حين أنّ المسرحيّ الفرنسيّ الشهير أنطونين آرتو يقول بأن المسرح هو إمتداد للحياة والحركة، قالت: “المسرح بدأ في بلاد ما بين النهرين، بنصّ كوميديّ رائع تمّ إكتشافه بعنوان “العبد والسيّد”، أمّا بالنسبة لمسرح آرتو، فأنا أعتقد أنّه مجنون، فهو يريدنا إذا جُننا أن نجنّ في الحقيقة، وإذا تألّمنا أن نتألّم في الحقيقة، فإذن هو مسرح الألم، والصعب، والمستحيل، أمّا المسرح الآخر الذي يشكّل إمتداداً لأوجاع الناس وألمهم وتجاربهم، فهنا بالتأكيد تتحوّل الحياة إلى ركح كبير”.
وعن أهميّة العائلة والوطن والأرض والثقافة في الزمن الأسود الذي يعيشه لبنان، قالت: “أنا متزوّجة من فؤاد نعيم، وهو صحفي كبير، وكان مديراً عاماً لتلفزيون لبنان، ورئيساً لمجلس إدارته، وكذلك عمل في وكالة الصحافة الفرنسية، وأنا اسكن اليوم في أرض أهلي في ديك المحدي، ونحن سعداء في مكان يحمل جذوراً وطنيّة وقوميّة تذكّرني بأهلي وعذاباتهم ونضالاتهم وتوقهم إلى لبنان رائع وحرّ، من الجميل الجلوس هنا، وأنا سعيدة بهذا المنزل، وعائلتي مهمّة جداً بالنسبة لي، ونحن عشنا حياةً خاصة لم نتعرّض لها على الرغم من أنّنا نعمل في أعمال عامّة، فإبني عمر مخرج، وهو موجود اليوم في الربع الخالي في أبو ظبي، وإبني خالي كاتب، وأنا سعيدة بأنّ اولادي إختاروا ما يحبّوا، ونحن دعمناهم في ذلك”.